كتب أكرم حمدان في “نداء الوطن”:
أما وقد حطت الإنتخابات النيابية رحالها، وبإنتظار إنقشاع الغبارالسياسي وإعلان وزير الداخلية النتائج الرسمية، فإن الأنظار ستتجه نحو المرحلة المقبلة ما بعد الإنتخابات، وما هي الخطوات الواجبة دستورياً لإنتظام عمل المؤسسات وإنطلاقها مجدداً لمعالجة الملفات المعلقة، لا سيما منها الإقتصادية والإجتماعية والعمل من أجل إستعادة التوازن إلى البلد. وبعيداً من الإسترسال في العناوين والملفات المتراكمة، فإن المحطة الأولى والأساسية هي في إعادة تكوين مؤسسة مجلس النواب بعد الإنتخابات، تبدأ مع إنتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وأميني السر والمفوضين الثلاثة لكي تتألف هيئة مكتب المجلس وفقاً للمادة الأولى من النظام الداخلي لمجلس النواب.
وهذا المسار الذي تحدده أيضاً كل من المادتين الثانية والثالثة من النظام الداخلي للمجلس عطفاً على المادة 44 من الدستور، يطرح الكثير من الأسئلة التي ربما من المبكر الإجابة عليها ومنها: هل هناك من مرشح سيُنافس الرئيس نبيه بري على رئاسة المجلس طالما أن المقاعد الشيعية الـ27 في المجلس موزعة بين الثنائي (أمل-حزب الله)؟ وماذا عن مواقف القوى والأحزاب والنواب الذين سبق واعلنوا خلال حملاتهم الإنتخابية أنهم لن ينتخبوا بري لرئاسة المجلس؟؟ وما هو موقف قوى التغيير والنواب الجدد الذين يدخلون إلى البرلمان للمرة الاولى من هذا الإستحقاق وكيف سيتعاملون معه؟ وماذا أيضاً عن موقف «التيار الوطني الحر» ونوابه، وهل فعلا سيُطالب أو يقايض بنيابة رئاسة المجلس مقابل التصويت وتأمين الميثاقية لبري؟
هناك الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى الهدوء والتفكير لمعرفة الأجوبة عليها، لكن ما هو قائم ومعلوم هو أن المادة الثانية من النظام الداخلي للمجلس تتحدث عن إجتماع المجلس بدعوة من رئيس السن خلال مهلة 15 يوماً من بدء الولاية، إذ تقول حرفياً: «يجتمع مجلس النواب بناءً على دعوة أكبر أعضائه سناً وبرئاسته لإنتخاب هيئة مكتب المجلس في أول جلسة يعقدها بعد تجديد إنتخابه، وذلك في مهلة أقصاها خمسة عشر يوماً من بدء ولايته. يقوم بأمانة السر أصغر عضوين سناً من الحاضرين. وإذا تعذر حضور أكبر الأعضاء سناً يرأس الجلسة أكبر الأعضاء سناً من الحاضرين».
وهذا يعني حتى الآن أننا أمام مهلة نحو ثلاثة أسابيع لكي يدعو رئيس السن إلى جلسة الإنتخاب لأن ولاية المجلس الجديد تبدأ إعتباراً من 22 أيار الحالي، وبالتالي نحن أمام فترة أسبوع أو أقل مما تبقى من عمر المجلس النيابي الحالي ثم تبدأ مهلة الـ15 يوماً أمام المجلس الجديد. ووفق المعطيات المتوفرة حتى الآن، فإن الرئيس بري هو سيكون رئيس السن في المجلس النيابي الجديد وسيكون صاحب الحق في الدعوة لجلسة إنتخاب الرئيس ونائبه، ولكن ليس واضحاً كيف سيتم التعامل مع مسألة أنه رئيس السن وهو المرشح الوحيد لرئاسة المجلس؟ وهل يمكن ان يلجأ إلى إجتهاد ترؤس الجلسة من قبل أكبر الأعضاء سناً في القاعة، وفق ما هو وارد في المادة الثانية من النظام الداخلي؟
لكن الثابت حسب المعطيات أن بري كرئيس للسن سيسلم نفسه رئاسة المجلس النيابي لولاية سابعة بعدما تكون قد إنتهت الولاية السادسة، حيث يشغل هذا المنصب منذ 30 عاماً، أي منذ العام 1992، وبعد تسلم بري الرئاسة سيتم إنتخاب نائب الرئيس وأميني السر والمفوضين لكي تكتمل إدارة مجلس النواب. وكان بري إنتخب في جلسة 23 أيار 2018 للولاية السادسة لرئاسة المجلس بأكثرية 98 صوتاً وحل إيلي الفرزلي نائباً للرئيس بـ80 صوتاً.
وسجلت عملية إنتخاب رئيس المجلس وجود 29 ورقة بيضاء وواحدة ملغاة، حيث إعترضت النائبة بولا يعقوبيان، التي كتبت اسم نادين لبكي في ورقتها، على عدم إعلان الاسم.
وكان رئيس السن في تلك الجلسة النائب الراحل ميشال المر الذي إفتتح الجلسة بحضور 128 نائباً (حضور كامل).
وبعد تلاوة كتاب وزير الداخلية عن نتائج الإنتخابات، كما حدد النواب الأكبر سناً وهم ميشال المر مواليد عام 1931، نعمة طعمة مواليد 1934، هنري شديد من مواليد 1934، أما الأصغر سناً فكانا النائبين سامي فتفت من مواليد 1989، وطوني فرنجية من مواليد 1987، وجرى إختيارهما أميني سر موقتين لمساعدة رئيس السن في الجلسة.
وبعد تلاوة المواد المتعلقة بإنتخاب رئيس المجلس وأعضاء هيئة مكتب المجلس، ألقى المر كلمة نوه فيها بحكمة الرئيس بري ووطنيته وشجاعته واعتداله في ترؤس الجلسات وفي المجالس منذ العام 1992.
ثم تمت عملية توزيع المغلفات والأوراق المخصصة لعملية الإقتراع، وجرت العملية وتم الفرز وأعلن المر النتيجة ودعا بري إلى منصة الرئاسة.
وفور تسلمه مجدداً سدة الرئاسة، ألقى بري كلمة ركز فيها على المهام التشريعية الأساسية أمام البرلمان ومنها إقرار إقتراح قانون اللامركزية الإدارية والتنظيم الإداري، وحصول المجلس النيابي على قاعدة بيانات حول المعوقات أمام نمو الإقتصاد والتدفقات المالية والقوانين في مجال الإصلاح المالي، ومكافحة الفساد والرشوة والإحتكار وإستقلالية القضاء وحرية عمل أجهزة الرقابة القضائية والمالية والإدارية من دون إستنسابية.
بعد ذلك، جرت عملية إنتخاب نائب الرئيس حيث تنافس النائبان إيلي الفرزلي وأنيس نصار، فنال الفرزلي 80 صوتاً مقابل 32 صوتاً لنصار و4 أصوات للنائب نقولا نحاس وهو لم يعلن ترشيحه، ووجدت ورقة باسم بولا يعقوبيان وورقتان باسم شارل مالك ونادين لبكي اللتان اعتبرتا ملغاتين، كما وجدت ثماني أوراق بيضاء.
ثم جرى إنتخاب أميني السر حيث ترشح ثلاثة نواب هم: آلان عون، مروان حمادة وإسطفان الدويهي، وبنتيجة التصويت الذي شارك فيه 127 نائباً فاز كل من النائبين عون 84 صوتاً وحمادة 76 صوتاً، بينما حصل النائب الدويهي على 42 صوتاً.
ثم جرى إنتخاب المفوضين الثلاثة النواب سمير الجسر، ميشال موسى وأغوب بقرادونيان بالإجماع (بالتزكية). بانتظار تحديد موعد الجلسة، ربما تكون بدأت الإتصالات والمشاورات بين الكتل والنواب الجدد لتحديد الموقف وكيفية التعامل مع هذا الإستحقاق ضمن موازين دقيقة، وسط نتائج إنتخابات تفرض نفسها عليه.