مقالات

باسيل قدم “أوراق اعتماده” لـ”الثنائي الشيعي” لتعويم تياره

كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”

قال مصدر بارز في المعارضة اللبنانية إن رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل اضطر إلى تقديم تنازلات لـ«الثنائي الشيعي» في مقابل تحالفه الانتخابي معه لحاجته الماسة للصوت الشيعي لتعويم وضعه في عدد من الدوائر الانتخابية ذات الثقل الشيعي تؤمن له الحواصل الانتخابية لضمان فوز مرشحيه. وسأل المصدر: كيف يتحالف مع حركة «أمل» بعد أن وصف رئيسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري بـ«البلطجي»، واتهمها بالتواطؤ مع حزب «القوات اللبنانية» في الأحداث الدامية التي حصلت في محور الطيونة – عين الرمانة، وبإعاقة تشريع القوانين المطلوبة لتحقيق الإصلاحات المالية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي كشرط للعبور بلبنان إلى مرحلة التعافي المالي والاقتصادي؟

كما سأل المصدر البارز في المعارضة باسيل: كيف يتحالف مع «حزب الله» بعد أن اتهمه بعدم مشاركته في مكافحة الفساد بتغطيته لحليفه الاستراتيجي حركة «أمل»؟ وهل أن تحالفه الانتخابي مع الثنائي الشيعي جاء على حساب قراره بسحب مطالبته بإعادة النظر في ورقة التفاهم التي أبرمها رئيس الجمهورية ميشال عون، وقبل أن يُنتخب رئيساً، مع الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في كنيسة مار مخايل في الشياح في السادس من فبراير (شباط) 2006 من التداول والتعامل مع مطالبته وكأنها لم تكن، فيما «صقوره» في التيار تمادوا في توجيه الانتقادات لسلاحه؟

فهل يحق لباسيل، كما يقول المصدر نفسه، ما لا يحق لغيره في تبرئة ذمته من اتهامات «صقوره» لـ«حزب الله» على خلفية تفلت سلاحه؟ وماذا سيقول لهؤلاء لتبرير قوله وهو يقدم أوراق اعتماده للثنائي الشيعي؟ هل سيقول إن «سلاح (حزب الله) شكل توازناً جعلنا قادرين على أن نتفاوض في موضوع الحقوق البحرية مع إسرائيل وهو نقطة قوة في عدم السماح بتوطين الفلسطينيين، ولكننا ضد سلاحه في الخارج والتدخل في الخارج؟»، خصوصاً أنه كان وراء التلويح بتعديل المرسوم 6433 قبل أن يعود عنه لاستخدامه ورقة في التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية لضمان رفع العقوبات الأميركية المفروضة عليه.

فباسيل قرر أن يغض النظر عن المطالبة بتطبيق القرارات الدولية الخاصة بلبنان لتبرير حديثه عن سلاح «حزب الله» وتشريعه، مع أن ما لم يقله، بحسب المصدر نفسه، هو الأهم ويتعلق بتدميره لعلاقات لبنان العربية وإلحاقه بمحور الممانعة بقيادة إيران وانقلابه على قرارات مجلس الوزراء التي تنص على النأي بلبنان عن الصراعات الدائرة في المنطقة وتحييده بعدم إلحاقه بالمحاور، إضافة إلى أن قوله بأن سلاح الحزب هو نقطة قوة بعدم السماح بتوطين الفلسطينيين ليس في محله، إلا إذا أراد القفز فوق المرسوم الخاص بمنح الجنسية الذي صدر عن رئيس الجمهورية في بداية عهده واستفاد منه أشخاص يحملون الجنسية الفلسطينية من دون العودة إلى الأمن العام للتدقيق في أسماء المستفيدين من المرسوم.

كما أن باسيل في حديثه تلفزيوني أوقع نفسه في الشيء ونقيضه بقوله: «نحن متحالفون انتخابياً مع “حزب الله” وهناك حاجة مشتركة معه أدت إلى لوائح مشتركة إحداها مع مرشحين من “أمل” وكل واحد يذهب في طريقه بعد الانتخابات، ولو لم ندخل في اللوائح لكانت المقاعد المسيحية التي تقدمنا لها بعدد من المرشحين انتخبت بأصوات الثنائي الشيعي»، لأن كلامه في هذا الخصوص يتعارض كلياً مع المرافعة التي أعدها للدفاع عن تمسكه بقانون الانتخاب الذي يأخذ بالنظام النسبي، خصوصاً لجهة عدم ذوبان الصوت المسيحي في بحر الصوت المسلم.

لذلك فإن باسيل كان شكل رأس حربة في مطالبته بصرف النظر عن قانون الانتخاب الصادر عام 1960 بذريعة أن الصوت المسلم يطغى على الصوت المسيحي ما يؤدي إلى انتخاب العشرات من النواب المسيحيين بأصوات المقترعين المسلمين، وهذا يؤدي إلى الإخلال بالتوازن في البرلمان، لكنه سرعان ما اكتشف – في ضوء تراجع حضوره في الشارع المسيحي بالتلازم مع انسحاب القسم الأكبر من الحرس القديم في التيار وكانوا شاركوا بتأسيسه من «التيار الوطني» احتجاجاً على تفرد باسيل في اتخاذ القرارات من دون اتباعه للأصول الحزبية المنصوص عليها في النظام الداخلي – بأنه في حاجة إلى الصوت الشيعي لتعويم نفسه انتخابياً في ضوء تدهور علاقته بالشارع السني لانقلابه على التسوية الرئاسية التي توصل إليها زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري مع عون وكانت وراء انتخابه رئيساً، ومن ثم دفعه للاعتذار عن تشكيل الحكومة. فباسيل لجأ إلى الثنائي الشيعي وقرر أن يحتمي بأصواته لتأمين وصول مرشحيه إلى البرلمان للتعويض عن خسارته لعدد من المقاعد في الدوائر ذات الثقل المسيحي، واضطر للاعتذار منه وقدم أوراق اعتماده له برغم أن علاقته بحليفه اللدود الرئيس بري ليست على ما يرام.

وحده باسيل يعطي لنفسه، كما يقول المصدر في المعارضة، الحق الحصري بأن يبدل خطابه، وأن يجمع بين التناقضات في أقواله لتأمين عودته إلى البرلمان على رأس أكبر كتلة نيابية تتيح له أن يحجز لنفسه مقعداً بين المرشحين لرئاسة الجمهورية.

وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن باسيل كان من أشد المتحمسين للقانون الأرثوذكسي الذي استعيض عنه بالنسبي مع الحفاظ على مفاعيله بما يعطي الحرية للناخب المسيحي بأن يعطي صوته للمرشحين المسيحيين والعكس صحيح بالنسبة للمسلمين، وهذا يعني أن باسيل استبدل الصوت «الأرثوذكسي» بالصوت الشيعي في الدوائر الانتخابية ذات الغلبة للثنائي الشيعي.

لذلك فإن باسيل اليوم مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات غير باسيل الأمس، وهو ما اضطره إلى تلميع صورة حليفه «حزب الله» والآخر اللدود حركة «أمل» لحاجته لهما في الشارع المسيحي بعد أن ألحق بخصومه وبالمجموعات السياسية المنبثقة عن انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 كيلاً من الاتهامات غير المسبوقة، خصوصا أن من بين مرشحي الحراك المدني عدداً لا بأس به من الحرس القديم في «التيار الوطني».

المصدر
محمد شقير - الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى