مقالات

المعالجات «السلحفاتية» للأزمة المعيشية قد تُفلت الشارع من عقاله

حسين زلغوط- “اللواء”

من نافل القول إن لبنان يعيش مرحلة دقيقة وحساسة لا بل خطيرة على أكثر من مستوى، فهو من جهة يراقب بقلق شديد احتدام المشهدين الاقليمي والدولي في أكثر من مكان، ويعيش انقساماً سياسياً حاداً داخلياً، بالتوازي مع مواجهة قضائية – مصرفية لم يألفها هذا البلد من قبل، وهي ترخي بظلال كبير من التداعيات على المستوى الاقتصادي والمعيشي وسط انهيار كبير في قيمة الليرة التي تتراجع يومياً وبوتيرة عالية أمام الزحف غير المسبوق للعملات الاجنبية، وعلى وجه الخصوص الدولار الأميركي.

كل ذلك يجري وأهل القرار في لبنان ينأون بأنفسهم ولا يقومون بأي إجراءات توقف النزف الحاصل على كل المستويات ويحدّون من انزلاق البلاد ومعها العباد إلى نفق مظلم يحوي الكثير من الكوارث.

صحيح أن المفاوضات مع صندوق النقد لا تزال قائمة وبفعالية مقبولة، وهو ما يكرر المعني بهذا التواصل نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي قوله في كل مناسبة، لكن مستوى الانهيار الذي يزداد يومياً يُظهر بأن هذا الأمير غير كافٍ، وأن البطء الحاصل في عملية التفاوض يثير الريبة وعلامات استفهام كبيرة، حول جدية المجتمع الدولي في مساعدة لبنان سيما وأن لبنان نفذ خطوات كثيرة طلبت منه لأجل هذه الغاية، وما تتضمنه مواد كثيرة في الموازنة تعتبر دليلاً ساطعاً على استعداد الحكومة اللبنانية تلبية ما أمكنها من مطالب صندوق النقد للحصول على المساعدات التي تمكّنها من إخراج لبنان من أزماته التي يتخبط بها والتي باتت تنذر بتداعيات خطيرة لن يكون في مقدور أي جهة أن تتحمل وزرها.

والذي يرصد الوقائع اللبنانية اليومية، ولا سيما ما خص ارتفاع الاسعار وتهاوي سعر صرف الليرة، وما يجري من خطوات «سلحفاتية» للمعالجة، يدرك بأن هناك إما عجز في مقاربة الملفات المطروحة لأسباب داخلية وخارجية، وإما استسلام لدى المسؤولية يدفعهم إلى التعاطي مع الأمور بشيء من الخفة بانتظار بلورة الامور في المنطقة وانقشاع الرؤية على صعيد أكثر من ملف تعتبر القوى السياسية في لبنان بأن تحديد مصيره سيكون له التأثير الايجابي او السلبي على الساحة الداخلية اللبنانية. ومن هنا فإن الاستحقاق الانتخابي ورغم الفوضى العارمة على اكثر من مستوى بدأ يمثل الصدارة إما في الإعلام أو على المستوى الشعبي لاعتقاد من يعنيهم الأمر بأن هذه الانتخابات ستكون مفصلية وأنها حاصلة بلا ريب كون أن المجتمع الدولي يُجمع على ضرورة حصولها واعتبارها الباب الرئيسي لولوج لبنان مرحلة الاصلاحات التي تعتبرها بدورها أيضاً باباً رئيسياً للحصول على المساعدات، غير أن ذلك لم يبدد بعد من الشكوك الكثيرة التي يبديها أكثر من فريق سياسي حول امكانية حصولها في موعدها، رغم التأكيد بأن الموعد المحدد لها لن يتأخر ولو لدقيقة واحدة.

وتخشى الجهات المشككة بحصول الانتخابات في منتصف أيار، أن يأخذ الكباش الحاصل بين القضاء والمصارف مداه ويأخذ شكل كرة الثلج، وينعكس بدوره على المودعين وعلى ارتفاع اسعار المحروقات والمواد الغذائية بشكل يحمل على قيام المواطنين بحركات اعتراضية واحتجاجية تتحول إلى ما يشبه الثورة الاجتماعية التي يصعب لجمها، وتنتهي في نهاية المطاف إلى حصول فوضى عارمة تطيح بالانتخابات وبكل الانجازات التي تحاول الحكومة تحقيقها.

وفي تقدير هذه المصادر ان ما يجري قضائياً ومصرفياً لن ينتهي على خير، خصوصاً وأن الكباش الحاصل يجري وسط اشتباكات سياسية في اكثر من موقع وبين اكثر من جهة، وأن تداعيات هذا الاشتباك السياسي تزيد في صب الزيت على النار بين المصارف والقضاء بشكل يبعث على الاعتقاد بأن الاوضاع تتجه إلى مزيد من التصعيد الذي بدوره سيرفع من منسوب الانهيار الحاصل، محذرة من ان عدم احتواء هذه الأزمة بشكل سريع سيُدخل البلد في مرحلة مشرعة الأبواب على الكثير من الاحتمالات التي سيكون أحلاها مراً.

وتُعرب المصادر عن اعتقادها بأن لبنان يعيش في هذه المرحلة تحت وطأة عاصفة هوجاء تضربه من كل الجهات، وأن ما ستخلفه هذه العاصفة من تداعيات سيكون خطيراً للغاية، ما لم يُسارع أهل السياسة فيه إلى ترتيب بيتهم الداخلي وإغلاق النوافذ على أية رياح عاتية، وأن الوقت وإن كان ضئيلاً ما زال يسمح بحصول اجراءات تقي لبنان من ان يوضع دولياً على لائحة الدول الفاشلة.

المصدر
اللواء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى