مقالات خاصة

لماذا يريد نصرالله الحكومة الآن؟


فشل حزب الله في تأمين بيئته الحاضنة يدفعه للعودة إلى الحكومة


أحمد الأيوبي


ليس هناك شكّ بأنّ متغيّراتٍ كبيرةً وموجباتٍ قاهرة، دفعت الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله إلى مغالبة وعكته الصحية الواضحة، للخروج عبر الإعلام ومخاطبة الطبقة السياسية بشكل مباشر لإطلاق التحذير الأخير من أجل التوصّل إلى تفاهم حول تشكيل الحكومة، خلافاً لحالة “التأمّل السياسي” التي كان يمارسها الحزب ممتنعاً عن التدخّل الحاسم طيلة الفترة السابقة، وهذا التطوّر يضع لبنان أمام مرحلة جديدة، أكثر خطورة من سابقاتها، لأنّها تأتي في ظلّ ضيق الخيارات أمام الحزب وبروز مخاطر العودة إلى العنف الداخلي.
لا تخرج الأسباب الكامنة وراء الظهور الصادم لنصرالله عن عاملين أساسيين:
ــ عامل داخلي متأزم في البيئة الشيعية بعد سقوط وفشل محاولات “حزب الله” الحلول محلّ الدولة في معالجة الانهيار المتمادي.
ــ عامل خارجي، تأتي رياحه العاصفة من فيينا، حيث المفاوضات الإيرانية الأميركية متعثّرة، ولم يتعد هناك جدوى من ربط تشكيل الحكومة اللبنانية بمجريات التفاوض بين واشنطن وطهران.
حرص نصرالله على رفع معنويات بيئته الشعبية مصوِّراً أن حزبه “في أحسن حال ولم يمرّ عليه يوم كان قوياً كما هو الآن كماً وكيفاً ونوعاً وجهوزيةً واستعداداً”، مشدّداً على أنّ “المقاومة تستند إلى بيئتها الحاضنة التي فشلوا عن المسّ بها”. وهنا يبدأ افتراق المعايير. فالحزب بلغ ذروة قوّته في التسليح والتجهيز، لكنّ المفارقة أنّه كلّما ارتفع منسوب هذه الجهوزية، انخفض مستوى معيشة البيئة الحاضنة بشكلٍ قياسيّ، وهنا تكمن المعضلة الحقيقية التي تواجه نصرالله.


وصلت الأوضاع المتفاقمة في البيئة الشيعية إلى وضع حسّاس ودقيق، بعد فشل حملات التسويق للسياسات التموينية لـ”حزب الله”، وانكشاف عدم جدواها لدى الجمهور الشيعي، بحيث بات واضحاً أنّ المساعدات باتت عنصر نفور لا عنصر استقطاب، مع انسداد الأفق وتراجع قدرة الحزب على تغطية حاجات الناس الكبيرة والمتعاظمة، غذائياً وصحياً وتربوياً، وما زاد الطين بِلّةً، لجوء شرائح متزايدة من الشباب للحبوب المخدرة حتى باتت تهدّد بالانفلات الاجتماعي، نظراً لتفاقم حجم المشاكل اليومية التي يعيشها الناس.
جوهر رسالة نصرالله لبري أنّ هذا الوضع يجب أن ينتهي، وأنّ عليه أن يقنع “حليفه” سعد الحريري بأن يرضى بالتنازل والتعاون مع عون لتشكيل الحكومة، والبدء باستجلاب المال من الخارج وإنجاز البطاقة التمويلية، لأن كلّ جهود المساعدات والدعايات حولها لم تعد تجدي أمام الحاجة إلى الأمان والاستقرار والوظائف والسيولة المالية التي تسمح باستئناف الحياة الطبيعية اقتصادياً واجتماعياً، بعد أن باتت حياة الناس مقتصرة على تأمين الضروريات من غذاء ودواء، وهذا خلق حالة احتقان شديدة في البيئة الشيعية.


لهذه الأسباب، ربما يكون نصرالله تجاوز نصيحة الأطباء بعدم القيام بأيّ إجهاد، ليقول للرئيس سعد الحريري إنّ عليه التنازل وبذل الجهد والوقت اللازم لاسترضاء الرئيس ميشال عون، وللرئيس نبيه بري إنّ عليه اجتراح ما يلزم من مخارج، حتى لو كانت القبول بـ”الفتوى” الجريصاتية التي تبيح لمجلس النواب الخروج على الدستور وسحب التكليف من الحريري.

في التقديرات:
ــ وجد “حزب الله” أنّ المفاوضات الإيرانية الأميركية طويلة وأنّ الازمة الاقتصادية والاجتماعية تتفاقم وبدأت تهدّد استقرار البيئة الشيعية، لهذا يحتاج الحزب حكومةً يرمي المسؤولية عليها في الاستحقاقات المعيشية الصعبة.
ــ أعلن نصرالله بما لا يقبل الشكّ دعمه للرئيس عون ورفض إمكانية إقالته أو استقالته، كما يرفض مساواته بالرئيس الحريري، الذي يمكن استبداله إذا لم يقبل بما يريده عون بالفعل والتنفيذ، فلا يمكن لنصرالله التخلي عن عون وجبران باسيل، لأنّهما نموذجيان في تطبيق سياساته بشكل كامل، وبناءاً عليه، ليس وارداً أن يحصل أيّ تنازل من المعسكر العوني والكلام عن احتمال الاستقالة من مجلس النواب مجرّد مناورات إعلامية لا أكثر.
ــ لا يستطيع الرئيس بري تجاهل كلام نصرالله بعد أن خرج إلى العلن عبر الإعلام، لكنه يواجه إشكالية عدم دستورية خيار سحب التكليف، وفي حال دخول مجلس النواب في هذه الهرطقة الدستورية، فإنه يواجه احتمال تعرضه لخسارة ما تبقى له من شرعية التمثيل، وبالتالي قد يقع تحت المقاطعة الخارجية والعقوبات.
لكنّ بري يواجه في الوقت نفسه إشكالية عدم الاستجابة لنصرالله، وهذا سيجعل الوضع شديد الخطورة، لأنّ الحزب سيقوم عندها باستخدام ما يمكن تسميته “العنف الشعبي” ودفع جمهوره إلى الشارع وإثارة الفوضى بشكل واسع النطاق، بهدف تنفيس شارعه من جهة، والضغط على الأطراف السياسية من جهة أخرى.
ــ لم يظهر من كلام نصرالله خيار آخر أكثر منطقية، وهو أن يوافق عون على التشكيلة التي قدمها الحريري ويوقعها، وأن يجري إسقاطها في مجلس النواب بحجب ثقة الأغلبية النيابية عنها، ثم يجري تكليف شخص يحظى بثقة الأغلبية النيابية.
لم تتضمن كلمة نصرالله الإشارة إلى هذا الخيار، لأنّه شدّد على ضرورة أن يجلس عون والحريري ساعات وأياماً حتى الوصول إلى اتفاق، وكان بإمكان نصرالله الإشارة إلى خيار الإسقاط في مجلس النواب.
الأرجح أن نصرالله بات مقتنعاً باعتماد أسلوب عون في خرق الدستور وفرض أعرافٍ جديدة، وربما يكون أسلوب الجريصاتي قد راقه وراكم لديه، منذ انخراطه في معركة الدفاع عن الحزب في المحكمة الدولية الخاصة بالرئيس الشهيد رفيق الحريري، وصولاً إلى فتاويه المجلجِلة في محافل القضاء وأروقة القصر الجمهوري.
يدخل لبنان مرحلة الارتطام الكبير دستورياً، بعد أن دخلها اقتصادياً ومعيشياً، وهناك من يراقب هذا الارتطام ليجلس على الركام وينشد أناشيد العزة والانتصار!

أحمد الأيوبي

إعلامي لبناني وكاتب سياسي في عدة مواقع مختص بشؤون الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى