مقالات خاصة

بعد غزوة عين الرمانة : لم يعد ممكناً التعايش مع سلاح الثنائي الشيعي

كتب أحمد الأيوبي لموقع “قلم سياسي “

تريّثتُ في الكتابة والتعليق حول واقعة الخميس الأسود أو ما يمكن تسميته “غزوة عين الرمانة” بانتظار اكتمال الصورة ولتوفير مساحة باردة بعيدة عن الانفعالات المتناثرة من حماوة الحدث، ولاستقراء الروايات التي تقدّمت بها الأطراف المنغمسة في هذه الواقعة ولتفكيك المشهد بأسلوب منطقيّ يتناسب مع دقـّة المرحلة وخطورة الموقف، لكنّ التوازن في الرؤية أعطى المزيد من القناعة بأنّ هناك في لبنان طرفاً أدمن استخدام القوّة والبطش لفرض إرادته على من يفترض أنّهم شركاء في الوطن، ويريد من الجميع أن يخضع لهذا السلوك بدون أيّ مقاومة.

حقيقة ما جرى
باختصار: أطلق “حزب الله” وحركة أمل حملة “قبع” القاضي البيطار على محاور أربعة:
ــ الهجوم الشخصي من أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله، والمتكرِّر في خطابات متتالية، والذي بلغ ذروته في اتهامه بالتسييس والخضوع لأجندة أميركية تستهدف الحزب.
ــ عملية الكوموندس السياسية التي قام بها الوزير القاضي محمد مرتضى، والذي قدّم مطالعة باسم الرئيس نبيه بري وباسم نصرالله هاجم فيها رئيسي الجمهورية والحكومة والوزراء، وحذّر وزير الداخلية من تنفيذ أي مذكرة توقيف تصدر عن القاضي البيطار.
ــ التظاهرة “النخبوية” التي دعا إليها الثنائي الشيعي وتيار المردة أمام قصر العدل.
ــ حشد ما يزيد عن الألف مسلح ليل الأربعاء، نقل قسم منهم من البقاع، وهم من مؤيدي النائب غازي زعيتر، وظهرت أعداد كبيرة منهم حول مستشفى الرسول الأعظم، وشاهدهم المسافرون الذين قصدوا مطار رفيق الحريري الدولي، أو العائدون عبره ليلاً، وأكّده عدد من سكان المنطقة، ولم يلبث هذا الحشد أن اتجه صباح الخميس إلى الطيونة، واقتح عين الرمانة.

الخلط بين التظاهرة والاعتداء
يعمد إعلام “حزب الله” والوزراء الذين تبنّوا روايته إلى الادعاء بأن “التظاهرة السلمية” هي التي تعرّضت للرصاص، ويتجاهلون عن عمد، أنّ التظاهرة وصلت وانفضّت بدون أيّ إشكال.
يتجاهل هذا الطرف حقيقة انتشار مئات المسلحين الذين عرّفوا عن أنفسهم بأنهم “شيعة” إلاّ إذا أردنا أن نصدّق رندلى جبور عندما قالت بأنّ هؤلاء هم من القوات اللبنانية الذين تنكروا بهيئة الشيعة لثيروا الفتنة!!
تجاهل وزير الداخلية بسام مولوي بشكل مستغرب وجود مئات المسلحين الذين ظهروا وهم يحملون الرشاشات وقاذفات “الآربيجي” والـ”ب 7″، فضلاً عن ظهور سيارات مكشوفة (بيك آب) على متنها رشاشات ثقيلة، بل ذهب الوزير إلى التهوين من ذلك بالقول إنّ قاذفات “الآربيجي” جرى إطلاقها في الهواء، وكأنّ إطلاقها في الهواء فولكلوء شعبي وليس جرماً يعاقب عليه القانون على جزء آخر من الأراضي اللبناني، فضلاً عن إظهار المشاهد المصوّرة كيف كان مطلقو هذه القذائف يستهدفون المباني السكنية.

رئاسة الحكومة: تجهيل المعتدي
بينما لاذ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالصمت، تحدث المقربون منه عن أن المعارك العبثية تضيع فرصة الإنقاذ الحكومية، وهنا يبرز السؤال:
ــ لماذا لا يتوجه هؤلاء إلى الثنائي الشيعي كطرف معطّلٍ للحكومة، أم أنّهم لا يجرؤون على مقاربة هذا الطرف المستقوي بالسلاح؟
ــ لماذا يجري تغييب أهالي عين الرمانة المعتدى عليهم، ولماذا يجري الحديث عن الذين تعرّضت منازلهم وشوارعم وممتلكاتهم للاعتداء وكأنّهم هم المعتدون، بل ويجري تحميلهم مسؤولية الفتنة! ولا أحد يتناول جريمة مئات المسلحين الذين وثّقوا جرائهم بأنفسهم واستعرضوا قصفهم وإطلاقهم الرصاص على الآمنين والعُزّل؟

غياب منطق الدولة
بعد الإطاحة بالمحقِّق الأول في جريمة تفجير مرفأ بيروت فادي صوان، جاءت السلطة، التي يعتبر “حزب الله” رأسَها، بالقاضي فادي البيطار ليتولى هذه المهمة، وقد حظي برضى أطرافها، خاصة أنّه يتحدّر من عائلة تنتمي أو تؤيِّد الحزب السوري القومي الاجتماعي، مقابل توجّس أهالي الضحايا وخشية الرأي العام من أن تكون السلطة قد جاءت بمن يدفن التحقيق والحقيقة.
لكن بعد أن باشر البيطار عمله وغاص في التحقيقات، بدأت الاعتراضات عليه تخرج لاتهامه بالاستنسابية والتسييس، فسلك الاعتراضُ الطرق القانونية وهذا أمر طبيعي ومن حق المتهمين، لكنّ “الثنائي الشيعي” قرّر اعتماد الطريقة التي يجيدُها وهي استخدام فائض القوّة وكسر قواعد القانون، وإكراه مجلس الوزراء على ارتكاب مخالفة دستورية بالتدخل لإقصاء البيطار عن التحقيق.
وهكذا بدأت حملات التخوين وعمليات التعبئة والتحريض على البيطار حتى وصل الأمر إلى تبرير استخدام السلاح في الشارع..
وبينما كان الاحتجاج عالى القاضي البيطار يجري أمام قصر العدل، اقتحمت مجموعات مسلحة أحد شوارع عين الرمانة، فما شأن عين الرمانة بالقاضي البيطار، ولماذا تحوّلت النقمة عليه إلى اقتحام للشوارع الفرعية في منطقة سكنية جرى الاعتداء على أهلها بشكل سافر؟
هذا مع العلم بأنّ القوات اللبنانية وحزب الكتائب وسائر الذين رفضوا الاعتداء على القضاء، لم يتحرّكوا سياسياً إلاّ بعد الحملة الشعواء التي أطلقها “حزب الله” لـ”قبع” القاضي البيطار.

في منطق الدولة أيضاً:
لماذا غياب الهيئة العليا للإغاثة عن الضحايا في عين الرمانة؟
لم تكلّف الحكومة نفسها تكليف الهيئة العليا للإغاثة بالكشف على الأضرار التي تكبّدها أهالي عين الرمانة جراء الغزوة التي اجتاحت شوارعهم وممتلكاتهم، فهل سقط ذلك سهواً أو يمكن استلحاقه، أم أنّ رئاسة الحكومة لا تريد أن تسجّل وتوثّق تداعيات هذه الغزوة، فيما هو أبعد من “توفير” الأعباء المالية، لنكون أمام تخفّف في السياسة من خطوة قد تثير غضب الثنائي الشيعي، الذي يطالب بحضور الهيئة إذا هبّت ريح وكسرت غصن ليمون في الجنوب أو قلبت ثلم فلاحة في البقاع، أو انقلب حجر في بناء في الضاحية!

إخضاع ما تبقى من ممانعة للسلاح في الدولة
واقع الحال أنّ ما جرى لم يكن مجرّد غضب عابر لدى جمهور مسلّح، بل ما جرى كان له أهداف متداخلة، يمكن تلخصيها بالآتي:
ــ ترهيب الدولة وإخضاع ما تبقى من مواقع ممانعة للهيمنة في الأمن والقضاء والسياسة، وهذا يشمل المواقع الدستورية الثلاثة: رئاسات الجمهورية والحكومة ومجلس النواب، ويشمل أيضاً قيادة الجيش ومجلس القضاء الأعلى وسائر مواقع القرار في البلد.
ــ أراد “حزب الله” ضرب رمزية عين الرمانة، فعمل على إلهاء الأجهزة الأمنية بمسيرة قصر العدل ليتوجّه بمسلحيه وبمن حشدهم من حركة أمل والعشائر الشيعية إلى داخل هذه الأحياء الحساسة والتي تعاني بشكل دائم من الاستفزاز الأمني على مدار الوقت.
ــ تحويل حزب القوات اللبنانية إلى “طريدة سياسية” يلاحقها الحزب من خلال فرض استرضائه مقابل دم مقاتليه ومقاتلي حركة أمل ووقف التهديد بالمواجهة الكبرى، أي بنسف السلم الأهلي.
يعلن قادة “حزب الله” أنّهم يريد حظر حزب تأسّس قبل ولادتهم، وهم لا يملكون صورة واحدة لمسلّح مفترض من القوات خلال غزوة عين الرمانة ويعتقدون أنهم بصخبهم وضجيجهم يستطيعون أكل رؤوس اللبنانيين وإخضاعهم للابتزاز واستكمال قضم الدولة بدون اعتراض.
لكنّ هذا الإصرار على الاستعلاء والاستكبار على الشركاء في الوطن سيدفع بهم إلى رفع شعار:”يا جاري أنت بدارك وأنا بداري”، وبعبارة أخرى، فإنّ اللبنانيين ضاق صدرهم من هيمنة السلاح وإذا أراد أصحابه الاستمرار في تسلّطهم هذا، فإن بقية الشركاء ليسوا مضطرين لتحمّل أعباء مشروع لا ينالهم منه سوى الخراب والدمار والدماء.

أحمد الأيوبي

إعلامي لبناني وكاتب سياسي في عدة مواقع مختص بشؤون الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى