
كادت الجلسة التشريعية لمجلس النواب أمس، تطغى على لقاءات باريس التي كان محورها دعم الجيش اللبناني والبحث في مسار استكمال نزع سلاح “حزب الله” وكل سلاح غير شرعي من جنوب الليطاني ومن ثم الانتقال إلى المرحلة التالية في شمال الليطاني، نظراً إلى تحكّم الخلفيات السياسية المعروفة في المعركة المتصاعدة حول إقفال رئيس مجلس النواب نبيه بري الباب تماماً أمام تعديل قانون الانتخاب، مانعاً إحالة مشروع قانون الحكومة واقتراحات قوانين الأكثرية المتعلقة بهذا التعديل على الهيئة العامة للمجلس. وإذ بدا واضحاً أن المواجهة انتقلت إلى مقلب جديد- قديم مع تمكّن بري أمس من تسديد رمية في مرمى معارضيه الأشداء وتحديداً “القوات اللبنانية”، من خلال تمرير النصاب القانوني الذي أتاح عقد جلسة بدت إيحاءاتها الأسياسية أكبر وأبرز من مقرراتها، ستتّجه البلاد تبعاً لذلك، وعشية عيدي الميلاد ورأس السنة نحو واقع أكثر تعقيداً من خلال تلازم الأولويات بين الوضع الخطير في ملف المواجهة مع إسرائيل واستتباعاته، والوضع الداخلي الذي سيزداد حماوة مع بدء العد التنازلي لاستحقاق الانتخابات النيابية مع مطلع السنة الجديدة، والاحتمالات المتعاظمة لتأجيله تارة تحت مسمى التأجيل التقني، وطوراً تحت تسريبات تذهب إلى الحديث عن تأجيل لا يقل عن سنة. وفي أي حال، فإن مناخ نهايات السنة بات يوحي بتفاعل تصاعدي للأولويات بين الخشية من إقدام إسرائيل على تنفيذ تهديداتها بعملية عسكرية واسعة ضد مواقع “حزب الله” والمعطيات التي تنذر بتصاعد التأزم السياسي على خلفية الملف الانتخابي، علماً أن الشق الداخلي من المشهد اكتسب دلالات جديدة في الساعات الأخيرة، إذ بدا واضحاً أن تأمين النصاب للجلسة التشريعية أمس لم يكن “إنجازاً” فردياً للرئيس بري وحده، بل إن معطيات أفادت أن الدفع الذي وفره الرئيسان جوزف عون ونواف سلام للجلسة لعب دوراً في توفير النصاب. وفي السياق، سيتم اليوم رصد الموقف الذي سيعلنه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في مؤتمر صحافي يعقده في الأولى بعد الظهر في معراب.
أما في ما يتصل بلقاءات باريس أمس، فإن صح الحديث عن اختراق فيها فهو تمثل في الإعلان عن عقد مؤتمر دعم الجيش في شهر شباط المقبل، ولكن من دون تحديد مكان انعقاده، علما أن الاتجاه سابقاً كان إلى عقده في المملكة العربية السعودية.
وأفاد مراسل “النهار” في باريس سمير تويني، أن قصر الاليزيه استضاف اجتماعاً رباعياً ضم ممثلين عن فرنسا والولايات المتحدة والسعودية ولبنان للبحث في عمل هيئة “الميكانيزم” وكيفية تطويرها من خلال آلية تحدّث عنها وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، بعد أن تم ضُمّ ديبلوماسي لبناني إلى الهيئة السفير السابق سيمون كرم وممثل إسرائيل يوري رسنيك، في ظل مخاوف من انفجار الوضع في لبنان. كما شكّل المشاركون مجموعة ثلاثية للتحضير لمؤتمر دعم الجيش في شهر شباط المقبل.
ووزّع القصر الرئاسي الفرنسي بياناً صحافياً للمبعوثين الخاصين للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وفرنسا إلى لبنان، جاء فيه إنهم “اجتمعوا في 18 كانون الأول/ ديسمبر مع قائد الجيش العماد هيكل الذي قدّم إحاطة حول تنفيذ خطة “درع الوطن”، وأعرب المبعوثون الخاصون عن دعمهم للقوات المسلحة اللبنانية وتقديرهم للتضحيات التي تقدمها.
وفي إطار دعم جهود لبنان لتنفيذ وقف الأعمال العدائية بتاريخ 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 وخطة “درع الوطن”، “اتفق المشاركون على إنشاء مجموعة عمل ثلاثية للتحضير للمؤتمر الدولي لدعم القوات المسلحة اللبنانية وقوى الأمن الداخلي المقرر عقده في شباط/ فبراير 2026”.
وأشار الناطق الرسمي باسم الخارجية الفرنسية باسكال كونفارو، إلى “أن قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل عرض تقدّم أعمال نزع السلاح وحدّد حاجات الجيش اللبناني للقيام بهذه المهمة”. وأضاف أن المشاركين في الاجتماع أعربوا عن تقييمهم الإيجابي لالتزام الجيش وجهوده المبذولة لنزع السلاح”.
وعبّر “ن إجماع المشاركين لتوثيق التقدم الذي يحرزه الجيش في مهمته”، وأضاف: “نعمل بجدية حول هذا الموضوع في إطار الميكانيزم”.
وكان قائد الجيش قد اجتمع صباحاً مع نظيره الفرنسي فابيان ماندون لبحث كيفية إظهار إحراز تقدم في نزع السلاح.
وقال الناطق الرسمي إن فرنسا “تحشد جهودها لمساعدة لبنان لاستعادة سيادته الكاملة على أراضيه في ظل اتفاق 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024″، وأشار إلى “أننا نعمل من أجل توثيق نزع سلاح الحزب، وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية جان نويل بارو عن الآلية الجديدة”.
واعتبر “أن تمديد تواريخ نزع السلاح، إذا كان هناك من حاجة، تتوافق عليه أطراف الاتفاق”.
واعتبر “أن الاطراف المشاركة تتشاور لتحديد تاريخ ومكان انعقاد مؤتمر دعم الجيش اللبناني”.
وسعت باريس من خلال هذا اللقاء إلى تعزيز الثقة بالجيش، ودعت إلى وضع آلية للتحقق من التزاماته من خلال الاستناد الى أدلة ملموسة يعود على قوات “اليونيفيل” تدوينها.
وارتدت مشاركة قائد الجيش العماد رودولف هيكل أهمية استثنائية، إذ وفّر له هذا اللقاء الفرصة لعرض الإنجازات التي حققها الجيش في جنوب لبنان، فضلاً عن الخطة المتكاملة للمناطق الأخرى. وقدّم عرضاً متكاملا للصعوبات التي يعاني منها الجيش في تنفيذ مهمته.
وعلمت “النهار” أن الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الذي كان ينوي التوجه مجدداً إلى لبنان اليوم للمشاركة في اجتماع لجنة “الميكانيزم” في الناقورة قد قرر إرجاء مشاركته إلى اجتماع آخر ستعقده الميكانيزم في السابع من كانون الثاني المقبل. وستشارك الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس في اجتماع الناقورة.
وفي سياق متصل، أشار مندوب لبنان في الأمم المتحدة أحمد عرفة، خلال جلسة لمجلس الأمن، إلى أن زيارة وفد مجلس الأمن الأخيرة إلى لبنان “وفّرت فرصة لإطلاع المجلس على جهود لبنان في سبيل بسط سلطة الدولة وحصرية السلاح وإطلاق ورشة إعادة الأعمار والالتزام بتنفيذ القرار 1701 بالكامل”. ولفت إلى أنّه “لا بد من تذكير بمسؤولية المجلس إزاء التهديدات الخطيرة التي تطلقها الحكومة الإسرائيلية بتصعيد جديد”. وشدّد على “ضرورة تفادي الفراغ الأمني في جنوب لبنان أو مياهه الإقليمية في المرحلة الانتقالية لليونيفيل”، لافتًا إلى أنّ “الفراغ الأمني إن حصل لن يكون في مصلحة الأمن الإقليمي ونرى ضرورة في استمرار وجود قوة أممية لمراقبة القرار 1701”.
وبالعودة إلى الجلسة التشريعية، فقد أصبحت مشاريع القوانين التي أُقرت في الجلسة السابقة نافذة، في خطوة حملت أكثر من دلالة سياسية، وتجاوزت في معناها البعد التشريعي البحت. فالإقرار لم يكن مجرد استكمال لملفات مؤجلة، بل جاء في سياق اشتباك سياسي أريد له التأكيد أن ميزان القوى داخل المجلس لا يزال مضبوط الإيقاع، وأن مفاتيح اللعبة لم تخرج من يد رئيسه نبيه بري.
وقد حصل تأمين النصاب عبر استنهاض مصالح كتل معارضة، ولا سيما نواب الشمال الذين وجدوا في تمرير مشروع مطار القليعات حاجة انتخابية ملحّة على أبواب استحقاق نيابي مقبل. وهنا، بدا واضحا كيف استخدم إبقاء محضر الجلسة السابقة مفتوحاً كورقة ضغط سياسية لتوظيفها في التوقيت المناسب. فالسرعة التي دعيت بها الجلسة وانعقادها، عكستا أن الهدف السياسي كان في الصدارة، بغض النظر عن الخطاب المرافق حول “ضرورة التشريع” وتسيير شؤون الناس.
على اثر الجلسة حضر رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان، إلى مجلس النواب، رغم مقاطعة كتلة “الجمهورية القوية” للجلسة التشريعية، وأعلن في تصريح “نحن لا نقاطع التشريع ومجلس النواب، إنما الممارسة الخاطئة التي تجري في المجلس”، ولفت إلى أن “ما نقوم به هو لعدم تعطيل عمل الحكومة التي نحن جزء منها”، وقال: “ما نقوم به حرصاً على العهد ونحن مَن يحمل لواء العهد الجديد، والتغيير ووقت التسويات على طريقة “أبو ملحم” ولى عليه الزمن”. وتوجّه إلى المعنيين: “لا تراهنوا على أي فصل بيننا وبين رئيس الجمهورية، وقد مدّدنا له مرتين كقائد للجيش وتبنينا لاحقاً خطاب القسم وواجباتنا تجاهه وتجاه مجتمعنا الإضاءة على الأمور كيف يجب أن تكون”. وأكد عدوان “سنتصدى بكل ما أوتينا من قوة لأي رهان على تطيير الانتخابات النيابية، والحكومة ملزَمة بإجرائها في موعدها وفق القانون النافذ مع الإعلان عن البنود غير القادرة على تنفيذها”.



