
يسود الترقّب الثقيل الوطأة المشهد اللبناني برمته في انتظار مجموعة محطات متزامنة في الساعات والأيام القليلة المقبلة، إذ يفترض أن تفضي إلى بعض النتائج والخلاصات الضرورية لرسم الخط البياني للمرحلة التي سيقبل عليها لبنان في نهاية السنة الحالية ومطلع السنة الجديدة. ولعل ما عكس دقة اللحظة التي يمر بها لبنان، إن على صعيد الوضع الخطير القائم بين لبنان وإسرائيل وإن على صعيد ملفات الداخل وأولوياته، أن الأوساط الرسمية المعنية بدت متحفظة للغاية عن إطلاق تقديرات مسبقة لما قد تؤول إليه الاجتماعات المهمة والبارزة التي ستشهدها العاصمة الفرنسية حول لبنان غداً الخميس، من دون إغفال مسحة أمل وتفاؤل بأن تفضي إلى تفاهمات بين ممثلي الدول المشاركة فيها بفعل الدفع الفرنسي الملحوظ لإنجاح الاستعدادات لمؤتمر دعم الجيش، كما للدفع نحو تفعيل آلية متطورة للتحقق من حصر السلاح في منطقة جنوب الليطاني. كما لم تغفل هذه الأوساط أن شيئا ما جديداً ومهماً طرأ على المناخ الخارجي المتصل بمراقبة الوضع بين لبنان وإسرائيل، ويفترض أن يترجمه الاجتماع المقبل للجنة الميكانيزم الجمعة في الناقورة، وهو الاجتماع الثاني الذي سيعقد بمشاركة رئيس الوفد اللبناني المدني السفير السابق سيمون كرم، إذ سيحضر للمرة الثانية إلى لبنان في أقل من أسبوعين الموفد الفرنسي جان إيف لودريان للمشاركة في الاجتماع إلى جانب الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس غداة لقاءات باريس حول لبنان. وتعكس هذه الدينامية اللافتة مناخات أكثر من عادية تدور حول مخرج صار معروفاً وهو تكريس آلية التدقيق بعدما اقتربت مؤشرات نهاية المرحلة الأولى من حصر السلاح في جنوب الليطاني، علماً أن أجواء الحذر لم تتراجع إطلاقاً في ظل مضي إسرائيل في توسيع عمليات الإغارة وعودة الاغتيالات المنهجية التي تستهدف عناصر وكوادر “حزب الله”.
وفي هذا السياق، أفيد أن رئيس الجمهورية جوزف عون تابع أمس التحضيرات الجارية للاجتماع المقرر عقده في باريس الخميس المقبل للبحث في حاجات الجيش. واستقبل للغاية قائد الجيش العماد رودولف هيكل وزوّده بتوجيهاته بالنسبة إلى المواضيع التي ستبحث خلال الاجتماع في باريس، وتداول معه حاجات الجيش في المرحلة الراهنة. وخلال اللقاء أطلع العماد هيكل الرئيس عون على نتائج الجولة التي قام بها رؤساء البعثات الديبلوماسية في أماكن انتشار الجيش اللبناني في جنوب الليطاني، حيث عاينوا الإجراءات والتدابير التي اتخذها الجيش تنفيذاً للخطة الموضوعة لبسط سلطة الدولة وإزالة المظاهر المسلحة، والانطباعات التي تكوّنت لدى الديبلوماسيين خلال الجولة.
غير أنه في المقابل نقل عن مسؤول في البيت الأبيض أن الولايات المتحدة تدعم جهود إسرائيل للقضاء على التهديد الذي تُشكّله حماس و”حزب الله”، وقال المسؤول: “نظراً لفشل الجهود الديبلوماسية في نزع سلاح حزب الله في لبنان، وإذا رفض حزب الله التراجع، يُعتبر العمل العسكري ضروريًا، إذ يُشكّل خطرًا مباشرًا على إسرائيل وعلى الاستقرار الإقليمي”. وأضاف أن “القضية الأساسية تكمن في نفوذ إيران في المنطقة، ولن يتحقق سلام دائم في إسرائيل ولبنان وغزة إلا بتفكيك الجماعات المسلحة المدعومة من إيران”.
كما نقلت صحيفة “يسرائيل هيوم” الإسرائيلية عن ديبلوماسيين، قولهم إن اجتماع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والموفد الأميركي توم برّاك أول من أمس، أسفر عن اتفاق لمواصلة الحوار بشأن لبنان. أما صحيفة “هآرتس”، فأشارت إلى أن “الجيش الإسرائيلي يرى أن وتيرة عمل الجيش اللبناني ضد حزب الله، أقل من وتيرة إعادة بناء الحزب لنفسه”، لافتة إلى أن “الجيش الإسرائيلي يفهم أن الجيش اللبناني يواجه تحديات في الوصول لمخازن السلاح التابعة لحزب الله في المناطق الشيعية”. وبحسب الصحيفة فإنّ “التقديرات الإسرائيلية أن حزب الله لن ينزع سلاحه، لكنه لم يعد بمقدوره تنفيذ عمليات اقتحام واسعة لإسرائيل”.
وفي الإطار الديبلوماسي أيضاً عقد وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي لقاءً موسّعًا في بروكسل مع سفراء اللجنة السياسية والأمنية لمجلس الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة، تناول خلاله الأوضاع في لبنان ومسلطًا الضوء على جهود الحكومة للنهوض بالبلاد والصعوبات التي لا تزال تواجهها، لا سيما موضوع الاحتلال الإسرائيلي. وشدّد رجي على ضرورة الضغط على إسرائيل للانسحاب من النقاط الخمس التي لا تزال تحتلها في جنوب لبنان، والإفراج عن الأسرى، ووقف الاعتداءات العسكرية اليومية، كما تمنى على الدول الأوروبية ألّا تقتصر المفاوضات مع إيران على ملفي النووي والصواريخ الباليستية، وأن تشمل أيضًا مسألة أذرعها في المنطقة. وأكد أهمية القرار الحكومي “التاريخي” بحصر السلاح بيد الدولة وبسط سلطتها وسيادتها بقواها الذاتية حصرًا على كل الأراضي اللبنانية. كما تطرّق اللقاء إلى اليوم التالي لما بعد انتهاء مهام اليونيفيل في نهاية العام المقبل، وأهمية تعزيز الدعم الأوروبي والدولي للجيش اللبناني للاضطلاع بمهامه على أكمل وجه، إضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية والمواضيع ذات الاهتمام المشترك.
وأعرب السفراء عن دعم دولهم للقرارات التي تتخذها الحكومة اللبنانية، وعن اهتمام الاتحاد الأوروبي برفع علاقته مع لبنان إلى مستوى شراكة استراتيجية، وزيادة مساعداته بشكل كبير بعد توقيع الحكومة على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، مؤكدين دعمهم للجيش اللبناني ولمسيرة الإصلاح.
وفي الجانب الآخر من المشهد الداخلي وعشية الجلسة التشريعية الخميس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، لفت رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع إلى أن دعوة بري إلى الجلسة لاستكمال ما تبقى من جدول أعمال الجلسة الماضية، “والتي قاطعها أكثر من نصف النواب لعدم إدراجه على جدول أعمالها اقتراح القانون المعجّل المكرّر المتعلّق بقانون الانتخابات، تعد تخطياً واستخفافاً برأي هؤلاء الـنواب الـ65، بالإضافة إلى ذلك، وفي ذاك الحين، كانت الحكومة قد أرسلت أيضا مشروع قانون معجّل بالموضوع ذاته إلى المجلس، فلم يقم الرئيس بري بتحويله إلى الهيئة العامة بل حوّله إلى اللجان، وكأنه مشروع قانون عادي في موضوع عادي وفي زمن عادي”. واعتبر أن “تصرفات الرئيس بري تدل على أنه لا يقيم وزناً لا للدستور ولا للنظام الداخلي لمجلس النواب ولا للنواب، واستطراداً لا يقيم وزناً للشعب اللبناني الذي اقترع لصالح هؤلاء النواب”.
على الصعيد الميداني، شنّت مسيّرة إسرائبلية بعد الظهر غارة على سيارة رابيد بين بلدتي مركبا وعديسة. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه استهدف عنصرًا من “حزب الله ” في جنوب لبنان “ويُعدّ وجود عناصر حزب الله في جنوب لبنان انتهاكًا لاتفاق وقف إطلاق النار”.
ولاحقاً شنّت مسيّرة غارة استهدفت شاحنة على طريق سبلين جدرا في إقليم الخروب كادت تتسبب بكارثة، إذ تزامنت الغارة مع عودة طلاب من جامعات صيدا وبيروت، ما كاد يعرضهم للخطر، وأفيد عن سقوط قتيل وإصابة ثلاثة ضباط من الأمن العام صادف مرورهم قرب الشاحنة المستهدفة.
وفي سياق متصل، أصدرت وزارة الخارجيّة البريطانيّة تحديثًا لتحذيرات السَّفر إلى لبنان، شمل تحديد مناطق واسعة في بيروت وضواحيها الجنوبيّة، إضافةً إلى محافظات الجنوب، النبطيّة، البقاع، بعلبك الهرمل، الشَّمال، وعكّار، فضلًا عن مخيَّمات اللاجئين الفلسطينيّين، مؤكِّدةً أنّ الوضع الأمني “لا يزال غير مستقرّ” رغم دخول وقف إطلاق النّار حيِّز التّنفيذ في 27 تشرين الثّاني 2024.



