مقالات

الغارات تشعل الجنوب والميكانيزم تشدّ على يد الجيش

فيما تنتقل المنطقة إلى فصل جديد من التسويات، ووقوف لبنان أمام مفترق حاسم: إما اللحاق بركب التغييرات الحاصلة لصون الدولة السيدة الحرة المستقلة، وإما البقاء على الهامش والعودة إلى العزلة، يبدو أن إسرائيل بدأت تستبق الخيارين بتوجيهها رسالة مكتملة الأركان عنوانها السلام بالقوة.

فقد عاش جنوب لبنان مساء أمس، ليلة رعب زنرته الغارات الإسرائيلية التي وُصفت بالأعنف منذ التوقيع على اتفاق وقف الأعمال العدائية، وأعادت هاجس الحرب إلى المشهد من جديد.

وفي التفاصيل، نفذ الطيران الإسرائيلي حزامًا ناريًا بين بلدتي الزرارية وأنصار، تبعته سلسلة من الغارات العنيفة استهدفت المنطقة الواقعة بين أنصار وسيناي، حيث سُمعت أصداء هذه الغارات في مدينة صيدا وضواحيها، وأدت إلى سقوط 7 جرحى في حصيلة أولية.

وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أن الطائرات الحربية أغارت على بنى تحتية لـ «حزب الله» في منطقة مزرعة سيناي في جنوب لبنان استخدمت في محاولات إعادة إعماره حيث تم استهداف مقلع استخدمه «الحزب» لإنتاج الإسمنت بهدف إعادة بناء وإعمار منشآت وبنى تحتية إرهابية تم استهدافها وتدميرها خلال «حرب السيوف الحديدية». كما تم استهداف هدف تابع لجمعية «أخضر بلا حدود» والتي استخدمها «حزب الله» لإخفاء أعمال إرهابية تهدف لإعادة إعمار بنى تحتية له تحت غطاء مدني مزعوم. وتوجه أدرعي إلى اللبنانيين بالقول: «أبواق «الحزب» ستدّعي أننا قصفنا منشآت مدنية».

وكانت المسيرات الإسرائيلية قد أغارت على منطقة تقع بين بلدتي رومين وحومين، وخربة دوير، ووادي كفروة زفتا، وبين النميرية وكوثرية السياد، ومنطقة «علي الطاهر» عند الأطراف الشمالية لبلدة النبطية الفوقا، ومنطقة أبو مناديل عند أطراف بلدة بليدا. كما ألقت طائرة إسرائيلية قنبلة صوتية في محيط رأس الناقورة. وفي البقاع، أغار الطيران الإسرائيلي على بلدة شمسطار غرب بعلبك، وقد تم العثور على جثمان علي رضى الحاج تحت الردم في الغارة حيث صودف مروره على الطريق مكان الغارة.

في المواقف المستنكرة، دان رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الاعتداءات، وقال: «إن العدوان الإسرائيلي المتكرّر يأتي ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى تدمير البنى الإنتاجية وعرقلة التعافي الاقتصادي واستهداف الاستقرار الوطني تحت ذرائع أمنية زائفة. أضاف: «إن هذا السلوك التصعيدي يُشكّل خرقًا جسيمًا للقرار 1701 وللاتفاق على وقف الأعمال العدائية، ويؤكد أن إسرائيل تواصل انتهاك التزاماتها الدولية واستخدام القوة خارج أي إطار شرعي أو تفويض دولي ما يفرض موقفًا دوليًا يضع حدًا لهذه الانتهاكات المدانة».

مصادر متابعة، علقت على الغارات العنيفة بأنها لا تقرأ في سياق مواجهة عسكرية ميدانية، بل في ضوء المشهد الإقليمي الأوسع، حيث تستخدم لغة النار لتسريع التفاوض وفرض توزان جديد. فالرسالة واضحة: «مرحلة السلام بالقوة بدأت، وعلى لبنان أن يحدد موقعه منها، والإسراع في حصر السلاح والانفتاح على التسويات الحاصلة».

وفيما تتجه الأنظار إلى دور الجيش اللبناني المحوري في تطبيق خطته الدقيقة خلال مرحلة زمنية محددة، خرج اجتماع لجنة «الميكانيزم» ليشد على يد المؤسسة العسكرية. فقد أعلنت اللجنة التي انعقدت يوم الأربعاء أن الجيش نجح خلال العام الماضي في إزالة نحو 10,000 قذيفة صاروخية، وما يقارب 400 صاروخ، وأكثر من 205,000 ذخيرة غير منفجرة. وقال الأدميرال براد كوبر، قائد القيادة الوسطى الأميركية: «شركاؤنا اللبنانيون يواصلون قيادة الجهود لضمان نجاح نزع سلاح «حزب الله». ونحن ملتزمون بدعم جهود الجيش اللبناني الذي يعمل بلا كلل لتعزيز الأمن الإقليمي».

10 آلاف عسكري في الجنوب

وفي إطار التنسيق والتعاون بين الجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل»، وبالتزامن مع تخفيض عديدها التدريجي من جنوب لبنان، أبلغ الرئيس عون قائد القوات الدولية العاملة في الجنوب الجنرال ديوداتو أبانيارا أن عديد الجيش الموجود جنوب الليطاني سوف يزداد تباعًا حتى يصل إلى نحو 10 آلاف عسكري مع نهاية العام الجاري لتحقيق الأمن والاستقرار وسيعمل الجيش مع «اليونيفيل» على تطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته.

وفي السياق كرر الرئيس نبيه بري أمام أبانيارا دعم لبنان وتمسكه بالقرار 1701، داعيًا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته لإلزام إسرائيل بتنفيذ قرار وقف إطلاق النار، ووقف اعتداءاتها اليومية والانسحاب من الأراضي التي لا تزال تحتلها في الجنوب.

الاستعدادات اللبنانية

وحدة الموقف الرسمي وإدراكه أهمية وخطورة التغيرات الحاصلة، خصوصًا بعد الغارات العنيفة في الجنوب، وضرورة تلقف الفرص التاريخية السانحة خاصة بعد التوقيع على اتفاق غزة، ستكون مثار بحث بين الرئيسين عون وسلام في بعبدا اليوم.

وفي هذا السياق علمت «نداء الوطن» أن كل الملفات الأساسية ستكون حاضرة في اللقاء، لا سيما نتائج المحادثات البعيدة من الأضواء التي عقدها سلام مع مسؤولين فرنسيين ودوليين وعرب في خلال زيارته الخاصة إلى باريس، كما سيحضر ملف الاستعدادات اللبنانية لمرحلة ما بعد اتفاق غزة وقمة شرم الشيخ للسلام، وكيفية استفادة لبنان من الجو الدولي الجديد بعد موقف رئيس الجمهورية بالاستعداد للتفاوض وفق صيغة التفاوض على الترسيم البحري، كما سيحضر ملف الانتخابات النيابية على قاعدة حسم اتجاهات الأمور، وسيتم التشاور حول جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء التي ستعقد الأسبوع المقبل.

وسيقتصر اللقاء على عون وسلام، ولن ينضم إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يتم التواصل معه بشكل منفرد، باعتبار أن قنوات التواصل مفتوحة حتى الساعة بين بعبدا – عين التينة – السراي.

وتشير المعلومات إلى أن التواصل بين بعبدا و«حزب الله» اقتصر على الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد إلى بعبدا، ومن بعدها لم يحصل أي تواصل لاستكمال الحوار بملف السلاح وحصره وسط تصلب «الحزب» بمواقفه ورفضه تقديم تنازلات.

وفي هذا السياق تلفت مصادر إلى أن «الحزب» بات محرجًا بعد التوقيع على اتفاق السلام بشأن غزة، الذي وضعه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما تقاطعات تفاوضية لتسليم السلاح أو إبقاء لبنان رهينة خطاب عبثي يحرمه من الاستثمار الدولي. بمعنى آخر لا إصلاح ولا إعادة إعمار قبل أن تصبح السيادة كاملة وحصر السلاح بيد الدولة واقعًا ملموسًا.

سلام: التزام بالإصلاح

وفي ملاقاة لمواقف رئيس الجمهورية جوزاف عون من أن لبنان لا يمكن أن يبقى خارج مسار التسويات وبأن الأمور تسير نحو التفاوض لإرساء السلام والاستقرار، أكد رئيس مجلس الوزراء نواف سلام خلال زيارته الرسمية الأولى إلى مدينة صيدا، ضرورة استخلاص العبر من النتائج التي أظهرتها المرحلة الراهنة، وأشار إلى أن الدول التي تُحسن قراءة التحوّلات التي تشهدها منطقتنا هي وحدها القادرة على حماية مصالحها وصون أمنها. واعتبر أن بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية حصرًا، كما نص عليه «اتفاق الطائف»، ليس مطلبًا سياسيًا فحسب، بل هو شرط وجودها كدولة.

رئيس الحكومة شدد على أن العودة والإعمار توأمان لا يفترقان والتزام وطني وقال: «هذا التزام ثابت مني ومن الحكومة. لكن الصراحة تقتضي الاعتراف بأن ما كنا ننتظره من مساعدات لإعادة الاعمار قد تأخر لأسباب لم تعد تخفى على القاصي والداني… ولكن هذا لن يثنينا عن الاستمرار في السعي الدؤوب».

طمأنة المغتربين

انتخابيًا، وبعد وصول النقاش في ملف اقتراع المغتربين إلى طريق مسدود، وفي انتظار ما إذا كان سيدرج مجلس الوزراء على جدول أعمال الجلسة المقبلة مشروع قانون إلغاء المادتين المتعلقتين باقتراع المغتربين الذي أحاله وزير الخارجية يوسف رجي إلى الحكومة، أكد رجي أمام وفد إعلامي أن خطوته جاءت انطلاقًا من واجبه القانوني والدستوري، نافيًا أن يكون قد نسّق مسبقًا مع رئيسي الجمهورية والحكومة. وطمأن المغتربين إلى أنهم سيتمكنون من ممارسة حقهم في الاقتراع داخل لبنان في حال تمّ إلغاء اقتراعهم بصيغتي المقاعد الستة الخاصة وعدم السير بخيار الـ 128 نائباً.


iPublish Development - Top Development Company in Lebanon

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى