السعودية واكبت زيارة الشيباني

اعتاد لبنان على مدى نصف قرن على العيش في ظل معادلة “شعب واحد في بلدين”. وكان على اللبنانيين أن يتحملوا عسف ديكتاتورية النظام الأسدي باعتبارهم رعايا لهذا النظام في لبنان. لكن هذه المعادلة زالت أمس من الوجود، في الزيارة التاريخية التي قام بها وزير خارجية سوريا الجديدة أسعد الشيباني والوفد الرسمي الموسع للبنان مدشنًا معادلة: “دولتان مستقلتان وشعبان حرّان”.
تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني السوري
تجاوز هذا الحدث التاريخي أمس الإطار اللفظي إلى العملي. فقبل أن يبدأ وزير الخارجية السوري زيارته إلى بيروت، تبلغت وزارة الخارجيّة اللبنانيّة عبر السفارة السوريّة في لبنان، قرار تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني السوري وحصر كل أنواع المراسلات بين البلدين بالطرق الرسميّة الدبلوماسيّة.
وقد أبلغ الرئيس عون الوفد السوري الزائر أن القرار السوري بتعليق العمل في المجلس الأعلى اللبناني – السوري يستوجب تفعيل العلاقات الدبلوماسية. أضاف: “ننتظر في هذا الإطار تعيين سفير سوري جديد في لبنان لمتابعة كل المسائل من خلال السفارتين اللبنانية والسورية في كل من دمشق وبيروت”.
سلام: التعاون بين دولتين مستقلتين
وفي هذا السياق، لخص رئيس مجلس الوزراء نواف سلام المشهد العام للعلاقات بين لبنان وسوريا بقوله “إن لبنان حريص على بناء علاقات سليمة ومتوازنة مع سوريا، على قاعدة التعاون بين دولتين مستقلتين تربطهما الجغرافيا والتاريخ”.
أما وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي الذي عبر بحرارة بعد لقائه نظيره السوري عن نتائج الزيارة التاريخية، فقال: “نزفّ بشرى إلى الشعب اللبناني بأن الحكومة السورية قررت تعليق العمل في المجلس الأعلى اللبناني – السوري، وخلال فترة قريبة سنعمل على إزالته نهائيًا من القانون، لتصبح العلاقات بين البلدين قائمة على القنوات الدبلوماسية المباشرة، كأي علاقتين طبيعيتين بين دولتين مستقلتين”.
وفي السياق اعتبر الرئيس السابق للحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط أن إلغاء المجلس يشكّل خطوة متقدمة على طريق إقامة علاقات طبيعية بين لبنان وسوريا.
وشارك في المحادثات إلى جانب وزير الخارجية السوري وفد وزاري وأمني رفيع ضم وزير العدل مظهر الويس، مدير المخابرات حسين سلامة، معاون وزير الداخلية للشؤون الأمنية عبد القادر الطحان، إضافة إلى مسؤول الشؤون العربية في وزارة الخارجية محمد الأحمد.
وفي إطار متصل، لم تشمل زيارة الشيباني لقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري ما اعتبره المراقبون بأنه أول زائر مسؤول يعيد نصاب السلطة التنفيذية. وقال هؤلاء إنه في دول العالم يزور المسؤولون الزائرون المعنيون بالمسائل الإجرائية المسؤولين بالسلطة التنفيذية. لكن في لبنان، أتت زيارة وزير الخارجية السوري أمس من دون أن يلتقي بري بمثابة سابقة. إشارة إلى أن الشيباني هو أول وزير خارجية سوري يزور لبنان منذ زيارة وليد المعلم عام 2008. وفي العام ذاته كان وزير الخارجية في لبنان فوزي صلوخ وزير “أمل” في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في حين أن الوزير الحالي هو وزير “القوات اللبنانية” يوسف رجي في حكومة الرئيس نواف سلام.
اكتملت الكماشة حول عنق الممانعة
وفي سياق متصل، أبلغت مصادر سياسية بارزة واكبت زيارة الشيباني والوفد المرافق “نداء الوطن” بنتائج الزيارة ، وقالت: “سوريا الجديدة كانت اليوم (أمس) في لبنان من خلال وزير خارجيتها الذي أكد أن الشعبين اللبناني والسوري دفعا ثمن تصرفات النظام السابق وأدائه وسلوكه وممارساته. وجاء ليؤكد متانة العلاقة بين البلدين انطلاقًا من دولة لبنانية ودولة سورية ومنافع العلاقة بينهما السياسية والاقتصادية والتعاون وتطوير العلاقة بينهما”. أضافت المصادر: “نحن أمام وضعية جديدة ما يؤكد أن مشروع الممانعة إلى مزيد من الانكفاء. فقد اكتملت الكماشة حول عنق هذا المشروع إثر خروج “حماس” من حلبة الصراع المسلح والسياسي بعد خروج نظام الأسد وبينهما سلطة جديدة في لبنان تذهب إلى بسط سلطة الدولة تطبيقا لقرار 5 آب لحصر السلاح”.
الدعم السعودي والتمويل القطري
وأفادت مصادر سورية إعلامية بأن زيارة الشيباني، عكست “الدعم السعودي الصريح للزيارة رغبة في الدفع باتجاه إعادة تطبيع تدريجي للعلاقة اللبنانية – السورية، في ظل حاجة البلدين إلى صياغة ترتيبات جديدة تُبعد الهواجس القديمة وتفتح المجال أمام شراكات واقعية”.
وفي هذا السياق، علمت “نداء الوطن” أن دولة قطر وافقت على تمويل عودة 400 ألف نازح سوري إلى ديارهم بكلفة تبلغ 30 مليون دولار أميركي بالاتفاق مع المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة. ويشمل المشروع إعادة إعمار منازل هؤلاء النازحين وإعادة تأهيل البنى التحتية في مناطق سكن العائدين ومنح كل عائلة نازحة مساعدة مالية تبلغ 400 دولار أميركي.
ووفق هذه المعلومات، فإن التمويل القطري لعودة النازحين السوريين أتى في سياق دور خاص مارسته قطر كي تتم زيارة الشيباني والوفد المرافق لبيروت بعدما خطا لبنان الخطوة الأساسية من خلال لقاء الرئيس عون بالرئيس الشرع وزيارة كل من الرئيس سلام والوزير رجي لدمشق.
دمشق تطالب بتسليم ضباط الأسد
وأفاد تلفزيون سوريا، بأن مدير المخابرات السوري حسين سلامة عقد اجتماعًا مع نظيره اللبناني العميد طوني قهوجي. وتناولت المحادثات تبادل المعلومات ومكافحة الإرهاب والتهريب، مع إشارة سورية واضحة إلى ضرورة تسليم عدد من الضباط السابقين الموجودين في لبنان والمطلوبين لدى القضاء السوري.
لبنان بعد اتفاق غزة
من جهة ثانية، أكدت مصادر رسمية لـ “نداء الوطن” أن لبنان الذي رحب باتفاق غزة ينظر بحذر إلى ما سيحصل لاحقًا، فقد يؤدي هذا الأمر إلى تكريس عملية السلام لكنه في المقابل قد يطلق يد إسرائيل بعد الانتهاء من جبهة غزة، وبالتالي هناك اتصالات مع جهات دولية وعلى رأسها واشنطن لاحتواء أي عملية قد تقوم بها إسرائيل التي ترفض حتى الساعة الانسحاب من النقاط المحتلة في الجنوب وإفساح المجال أمام الجيش لإنهاء عمله في جنوب الليطاني والتي لا يوجد أي رادع أمام ما تقوم به.
بري ومواقفه
في ملف إعادة الإعمار سألت “القوات اللبنانية”: “من أين ستأتي الدولة بالأموال وحتى لو توفرت من جيوب اللبنانيين وهو أمر مستحيل فبأي حق تُصرف من جيوب الأكثرية الساحقة من اللبنانيين الذين كانوا ضد حرب الإسناد وما نتج عنها”؟ وتوقفت “القوات” أمام تصريح للرئيس نبيه بري، حين سُئل عن موازنة عام 2026، فأجاب بأن “الموازنة لن تمر إذا لم تتضمّن بندًا واضحًا متعلقًا بإعادة الإعمار”، مستغربة أن “يصدر مثل هذا الكلام عن شخص بعمر الرئيس بري وخبرته، لأن المجلس النيابي مؤسسة دستورية قائمة بذاتها، ولا يمكن لأحد احتكارها أو التحكُّم بها. أما مسألة تمرير الموازنة أو عدم تمريرها، فهي من شأن الأكثرية النيابية، لا أي جهة أخرى”.