
كل الأنظار مشدودة اليوم إلى جلسة مجلس الوزراء في القصر الجمهوري، لاحتواء جدول أعمالها ثلاثة بنود حسّاسة، اثنان يتعلقان بواقعة إضاءة صخرة الروشة ـ تابع، والثالث تقرير قيادة الجيش الشهري الاول عن الخطة الخاصة بتنفيذ قرار حصرية السلاح بيد الدولة، التي بوشر تنفيذها في منطقة جنوب الليطاني أولاً، في الوقت الذي لم توقف إسرائيل إطلاق النار ولا انسحبت من التلال التي تحتلها تنفيذاً للقرار الدولي 1701. فيما تسود مخاوف من احتمال تفجّر خلاف حول موضوع صخرة الروشة، في حال تقرّر سحب الترخيص من جمعية “رسالات” التي أضاءت الصخرة بصورتي الأمينين العامين لـ”حزب الله” الشهيدين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، خلافاً لتعميم رئيس الحكومة نواف سلام الذي حظّر هذه الإضاءة.
ليس فقط رئيس الحكومة نواف سلام من يترقب جلسة مجلس الوزراء اليوم، كما صرّح، بل إنّ اللبنانيين عموماً يترقبون ما ستؤول اليه هذه الجلسة التي يتضمن جدول أعمالها بنداً متفجّراً يتمثل في طلب وزير الداخلية حل جمعية “رسالات” وسحب العِلم والخبر منها، ربطاً بالتداعيات المتدحرجة لفعالية إضاءة صخرة الروشة. وتعوّل أوساط معنية على دور سيلعبه رئيس الجمهورية خلال الجلسة لسحب فتيل التوتر وطي ملف صخرة الروشة، في الاتجاه الذي يحافظ على انسجام الحكومة وتماسكها.
وقالت هذه الأوساط لـ”الجمهورية”، إنّ رئيس الحكومة إذا لم يتجاوب مع ما سيطرحه رئيس الجمهورية وأصرّ على إصدار قرار بسحب الترخيص من جمعية “رسالات”، يمكن قد يؤدي ذلك إلى انقسام او توتر داخل الحكومة قد ينعكس حراكاً في الشارع ضدّها.
وأشارت الأوساط إلى أنّ لا مشكلة في التقرير الذي رفعه الجيش إلى مجلس الوزراء، إذ انّه يتضمن ما نفّذه من خطوات لنزع السلاح في جنوب الليطاني، ويحدّد المعوقات التي تمنعه من استكمال مهمته هناك.
منسوب الاحتقان
وقالت أوساط سياسية لـ”الجمهورية”، انّ هذا البند أعاد تأجيج التوتر السياسي بين سلام و”حزب الله”، ورفع مجدداً منسوب الاحتقان في بيئة الحزب. وأشارت إلى أنّ طلب حل جمعية “رسالات” ترافق مع استدعاء بعض الأشخاص القريبين من الحزب إلى التحقيق في ملف إضاءة الصخرة بصورتي الشهيدين السيدين نصرالله وصفي الدين، ما يوحي بأنّ هجوماً مضاداً يُشن على الحزب رداً على تنظيمه فعالية الصخرة.
واعتبرت الأوساط، انّ إصرار سلام على مواصلة الاشتباك مع الحزب يؤشر إلى أنّ الازمة بين الجانبين مرشحة للتفاقم بدل احتوائها، منبّهة إلى انّ طلب حل “رسالات” في هذا التوقيت ينطوي على تصعيد كبير ستكون له تبعات سلبية إذا أقرّه مجلس الوزراء، خصوصاً انّ الحزب يوحي بأنّ الكيل يكاد يطفح.
وأملت الأوساط في أن يؤدي رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون دوراً في سحب الفتيل المشتعل من الجلسة الحكومية، ورعاية ممر آمن لها، وذلك امتداداً لمفاعيل اللقاء الأخير بينه وبين ورئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد.
الترتيب الثالث
وقالت مصادر سياسية لـ”الجمهورية”، إنّ لبنان دخل مأزقاً فرعياً متشعباً من ملف السلاح، هو الإشكال الحاصل حول إضاءة صخرة الروشة. والدليل هو أنّ بند تقرير الجيش الخاص بالسلاح تمّ إدراجه في الترتيب الثالث بعد البندين المتعلقين بصخرة الروشة في جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء، أي إنّ الأزمة الناشئة هناك باتت تحتل الأولوية في النقاش السياسي الداخلي، بين “حزب الله” وخصومه. وأضافت المصادر، أنّ هذا التحول إلى الموضوع الفرعي من شأنه أن يجنّب القوى السياسية اللبنانية اشتباكاً مكلفاً ومريراً حول الملف الأساسي الذي يضغط الأميركيون والإسرائيليون للبتّ فيه، أي نزع السلاح، بحيث يجدون أنفسهم يتنازعون حول ملف آخر لا علاقة للخارج به. وأياً تكن طبيعة المواجهة حول ما حصل في الروشة، فإنّه لا يهمّ القوى الدولية المعنية بلبنان، لأنّه إشكال تفصيلي، وقد ينتهي بتدابير إدارية وغرامات لا أكثر.
إلّا أنّ بعض المطلعين حذّر من الاستخفاف بالتجاذب القائم داخل السلطة التنفيذية حول مسألة الروشة. فكل من الطرفين المتنازعين سيعتبر أنّ الانتصار في هذا الملف سيمهّد فعلاً للانتصار في ملف السلاح. ولذلك، سيبذل كل طرف أقصى الجهد لتحقيق هذا الانتصار. وهذا قد يشكّل شرارة لإشعال أزمة داخلية يصعب التصدّي لها، وتتخذ أشكالاً مختلفة.
سلام
وعشية الجلسة، شدّد رئيس الحكومة نواف سلام أمام وفود زارته في السراي الحكومي، على أنّ “درء الفتنة لا يمكن أن يتمّ على حساب تطبيق القانون، بل العكس هو الصحيح، إذ إنّ درء الفتنة يتطلّب أن يشعر جميع المواطنين بأنّهم سواسية أمام القانون، وأنّ الدولة تحميهم. مشروعنا كان ولا يزال إعادة بناء الدولة. وكما أنّه لا دولة واحدة إلّا بجيش واحد، فكذلك لا دولة واحدة إلّا بقانون واحد يُطبَّق بالتساوي على الجميع، ولا يكون أحد فوقه وخارجًا عن المساءلة والمحاسبة”.
وردًّا على الحملات التي تستهدفه، قال الرئيس سلام: “ضميري مرتاح، وهذه الحملات المغرضة لا يمكن أن تغيّر شيئًا في مسيرتي. فلا يستطيع أحد أن يشكّك في عروبتي ومواقفي الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، التي دافعت عنها من على أعلى المحافل الدولية، من دون أن أحمّل لبنان أي ثمن في ذلك”.
وكان سلام دشّن أمس شارعاً بإسم رئيس الحكومة الراحل سليم الحص في محلة عائشة بكّار في بيروت، وقال إنّ “هذه لحظة وفاء لرجل كبير أعاد النبل للحياة السياسية في لبنان”. وأضاف: “الحص آمن بالمؤسسات وحكومتنا اليوم تعمل على بناء المؤسسات اللبنانية”.
لا تصعيد
وفي هذه الأثناء، اكّدت وزيرة البيئة تمارا الزين لقناة “الجديد”، أن “لا توجّه للتصعيد (في جلسة مجلس الوزراء) وإنما للنقاش الجدّي من دون كسر أي من الأطراف وأولهم رئيس الحكومة”. وقالت: “الجميع يعول على حكمة الرئاستين الأولى والثالثة في الجلسة لقراءة الأمور ووضعها في سياقها الزمني”. وأضافت: “البلد مش ناقصه.. يكفي تعطيل الجلسات التشريعية، وعلى مجلس الوزراء دوزنة النقاش بما يحفظ ماء الوجه لجميع لأطراف”. وكشفت أنّ “هناك توجّهًا للنقاش بكل الجمعيات من البيئة إلى الفن والسياسة، مع ضرورة إعادة تنظيم عملها وفقاً للقوانين اللبنانية ومن دون أي تقويض للحرّيات تماماً ككل دول العالم”.
“حزب الله”
وفي غضون ذلك، قال عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله، خلال احتفال تأبيني في بلدة تبنين، إنّ اداء الحكومة “يزيد الشرخ بينها وبين الناس”. وسأل: “ماذا يوجد على بنود مجلس الوزراء؟ إجراءات وزارة العدل بموضوع الروشة، وسحب ترخيص جمعية “رسالات”، وتقرير الجيش حول حصرية السلاح. فهذه الحكومة تتصرّف بهذه العقلية. صحيح أنّ عمرها قصير من الآن إلى الانتخابات، ونحن نريد للانتخابات أن تجري في موعدها، لأنّ هناك من يسعى لتأجيلها، إما لإطالة عمر هذه الحكومة أو لحسابات داخلية”. وأضاف: “هذه البنود ليست لحسابات وطنية ولا لحساب المصلحة الوطنية، وليست من أجل تطبيق القانون. ونحن كنا قد آثرنا على أنفسنا ألّا ندخل في نقاش حول هذه المواضيع، لكن ما دام هناك من هو مصرّ على التضليل وتعمية الحقائق وتزوير الوقائع، لا بدّ أن نشرح لأهلنا حقيقة ما جرى: أولًا، هذه الفعالية في الروشة كانت رمزية، وكان يمكن أن تمرّ بهدوء ومن دون أي ضجيج، لكن أمام الإصرار على مخالفة القانون والتحدّي والاستفزاز، شارك الناس بكثافة وبوعي وحكمة، ولم تحصل أي مشكلة، وربما هذا ما استفزّ البعض في السلطة، لأنّ الناس كانوا أوعى من السلطة، والتزامهم بالقانون أكثر من بعض أهل السلطة. فشنّوا حملة شعواء على الجيش والقوى الأمنية، لأنّ الجيش تصرّف وفق القانون وبحكمة ووعي وضبط الأمور، ولم تحصل أي مشكلة، في الوقت الذي كان هناك من يخطط لصدام بين الجيش والناس. فهل مثل هذا الصدام هو تطبيق للقانون أو للدستور أو لاتفاق الطائف الذي يتغنّون به؟”.
ولفت إلى أنّهم “أرادوا زجّ الجيش في مواجهة الناس، ولا ننسى أنّ الموفد الأميركي توم برّاك أراد أن يضع للجيش مهمّة هي الصدام مع الناس، وجاءت هذه الحادثة لتحاول جرّ الجيش نحو مواجهة مع الناس، لكن الجيش طبّق القانون وكان حكيمًا بقيادته وضباطه وأفراده الذين تولّوا حفظ الأمن مع القوى الأمنية، والناس كانوا على هذا المستوى أيضًا. وعندما فشل مَن في السلطة في هذه المهمّة لجأوا إلى التحريض وبث الأخبار الكاذبة، وقالوا إنّ “حزب الله” لم يلتزم بما تعهّد به، لكن تاريخنا واضح والناس تعرف أننا نحن أهل الالتزام والوفاء والصدق فيما نلتزم به”.
وتابع: “بدأوا يبثّون الأخبار التي تقول إنّ الجهة التي قامت بهذه الفعالية لم تلتزم بما وعدت به، ولكن هذا غير صحيح، إذ كنا ملتزمين بكل كلمة قلناها، وقلنا إننا سنقوم بهذه الفعالية وفق الأنشطة المقرّرة وقمنا بها كما هي، وبالتالي ليس صحيحًا أنّ هناك التزامات أمام جهات رسمية لم نلتزم بها. وإن كان أحد المسؤولين قد أصدر ترخيصًا معيّنًا للفعالية، وتصور أنّها ستتمّ بخمسمئة شخص وتصرّف خارج صلاحيته أو أبلغ عن أمر غير صحيح، فليتحمّل مسؤوليته. أما تعميم رئيس الحكومة فهو موجّه إلى الإدارات الرسمية وملزم لها، ومخالفة التعميم وفق القانون تعرّض المخالف لإجراءات معيّنة، أما المواطن العادي فهو غير معنيّ بتعميم رئيس الحكومة لأنّ التعاميم الرسمية تطاول المؤسسات الرسمية”. ودعا “العقلاء في السلطة” إلى “معالجة هذا الأمر بعيدًا من التحدّي والاستفزاز وارتكاب الأخطاء، لأنّ أحدًا مهما بلغ لن يستطيع تجاوز ما ينصّ عليه القانون في ما يتعلق بحرية الناس وحرية التعبير وحرية أن تقوم الهيئات والجمعيات بعملها وفق ما يمليه القانون”.
من جهة ثانية، وفيما يستمر النزاع في لبنان حول قانون الانتخابات النيابية المقرّرة في ايار المقبل، انتهت أمس انتخابات أول مجلس شعب في سوريا بعد سقوط النظام السابق، وسط انتقادات طاولت الآلية التي تمنح الرئيس الانتقالي أحمد الشرع صلاحية تعيين ثلث أعضائه، واستبعاد تمثيل ثلاث محافظات لأسباب “أمنية”.
وأعلن المتحدث باسم اللجنة العليا لانتخابات نوار نجمة أنّ “عمليات الاقتراع انتهت في كل المحافظات السورية، وعمليات فرز الأصوات ما زالت مستمرة”. ويتوقع إعلان النتائج النهائية اليوم الاثنين.
وكان الشرع اتخذ عقب سقوط النظام في الثامن من كانون الأول الماضي، سلسلة خطوات لإدارة المرحلة الانتقالية، شملت حلّ مجلس الشعب، ثم توقيع إعلان دستوري حدّد المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ونصّ على آلية اختيار مجلس يمارس صلاحياته إلى حين وضع دستور دائم للبلاد وإجراء انتخابات على أساسه. وسيُشكّل البرلمان، وولايته ثلاثون شهراً قابلة للتجديد، بناءً على آلية حدّدها الإعلان الدستوري، وليس بانتخابات مباشرة من الشعب. وبموجب الآلية، تنتخب هيئات مناطقية شكّلتها لجنة عليا عيّن الشرع أعضاءها، ثلثي أعضاء المجلس البالغ عددهم 210، على أن يعيّن الرئيس الثلث المتبقي.