
لا شك أن لبنان الذي يشارك في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة بوفد رسمي يرأسه العماد جوزاف عون، يقبع تحت مجهر التقييم الدولي والإقليمي، وقد يكون مؤشر هذا الرصد سلبيًا إذا ما قرأنا ما بين سطور بعض التصريحات. فلبنان الرسمي لا يكلّ عن إثبات مساعيه وجهوده في إعادة سيادة قرار الدولة، والانتقال بلبنان الى مرحلة جديدة، سياسية واقتصادية وأمنية ومؤسساتية، ولكن كما يبدو أن ذلك ليس كافيًا نسبيًا بالنسبة للمجتمع الدولي.
وعلى هامش مشاركته، عقد الرئيس عون سلسلة لقاءات رسمية، تم خلالها البحث في القضايا الثنائية المشتركة والملفات اللبنانية وعلى رأسها الخطوات المتخذة من الحكومة والجيش اللبناني لحصر السلاح بيد الدولة.
وخلال لقاء الرئيس عون مع عضو لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الاميركي السيناتور جاين شاهين، أشادت شاهين بالخطوات العملية التي يقوم بها الجيش بحرفية وانتظام، لافتًة الى أن أي تطور ايجابي في مجرى الاحداث في لبنان سوف يساعد على زيادة المساعدات للقوى المسلحة.
أما بعد اجتماعه مع وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو، فقد أكد رئيس الديبلوماسيية الأميركية استمرار دعم بلاده للبنان، منوّهاً بالجهود التي بذلها الرئيس عون والحكومة اللبنانية لتمكين لبنان من استعادة عافيته وتجاوز الظروف التي مرّ بها.
وفي هذا الإطار، طلب الرئيس عون من روبيو، مساعدة الولايات المتحدة الأميركية على تأكيد التزام اسرائيل بمضمون إعلان 27 تشرين الثاني 2024، لوقف الاعمال العدائية في جنوب لبنان وانسحابها من النقاط التي تحتلها واعادة الاسرى اللبنانيين المحتجزين لديها، وتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته، لا سيما وأنه لم يحصل اي خرق لهذا الاتفاق من الجانب اللبناني.
إشارات مقلقة
وفي هذا الإطار، كشف مصدر خاص لجريدة “الأنباء” الإلكترونية أن “ثمة بعض الإشارات السلبية المقلقة، إذ أشار المصدر الى أن “الكل يعتبر أن الخطوات المتخذة من قبل الدولة بطيئة وأن حزب الله لا يزال على موقفه”، مشيرًا الى أن عدم انسحاب العدو الإسرائيلي من المناطق التي يحتلها، فإذا ما دلّ على شيء، فعلى جمود وركود وبقاء الحال على ما هو عليه، لأن ثمة عدم قدرة من الدولة اللبنانية على السيطرة على الوضع.
ومن الإشارات المقلقة التي تدفع الخارج الإقليمي والدولي الى هكذا موقف، بحسب المصدر، رد قانون استقلالية القضاء، وعدم قبول صندوق النقد الدولي بالمشروع اللبناني والاقتراحات التي تقدم بها لبنان، وأيضا الفجوة الكبيرة المرتبطة بقانون الانتخاب، إذ أن ذلك يهدد الديمقراطية وانتخابات العام 2026، ويهدد كل شيء في آن معًا.
وبالإضافة الى هذه الإشارات، لفت المصدر الى أنه عندما يقول حزب الله إذا أردتم أي تعديل في قانون للانتخاب، هذا يعني البحث في الطائف أو في الصلاحيات، وبذلك فهو يريد إعادة عقارب الساعة الى الوراء، والعودة الى مركز النفوذ الواسع في لبنان.
وشدد المصدر على أن هذا المشهد الداخلي مراقب بدقة ويسبب قلقًا كبيرًا وعودة الى الوراء، وتنقل المصادر المطلعة الغربية أن فرصة الرئيسين جوزيف عون ونواف سلام ستذهب هباء إذا لم يتم إصلاح ما يترتب قبل فوات الأوان.
وحول محاولة الضغط أو السعي الى تعديل سلوك إيران، ربطًا بحزب الله، أجاب المصدر باعتبار أن “السلوك لا يعدّل، فهناك تناقضًا في الكلام، ولا نعلم إذا كان ناتجًا عن نوع من الانقسام أو توزيعًا للأدوار في حزب الله”.
وإذ يربط المصدر بين زيارة الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني الى المملكة العربية السعودية وبين ما صرّح به أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم، بضرورة الحوار مع المملكة، ولكن في التنفيذ فالواقع مختلف، مشيرًا الى أن ما بين التنفيذ والتمني فارق كبير وكل هذا يدلنا على انسداد الموقف.
وختم المصدر بالإشارة الى أن الجيش اللبناني وضع الخطط لنزع السلاح والوصول الى حصرية السلاح، آخذًا بعين الاعتبار كل الجوانب، ولكن على ما يبدو، حتى في جنوب الليطاني، ثمة نقاط معينة تستغلها إسرائيل للبقاء، كما تقول المصادر الأوروبية وكل هذا يدلل على صعوبات الموقف اللبناني.
دعم المملكة
في موازاة ذلك، وخلال الاحتفال بالعيد الوطني السعودي، جدد السفير السعودي وليد بخاري دعم المملكة للرئيس جوزاف عون ورؤية رئيس الحكومة الإصلاحية، مشيرًا الى أن الموقف السعودي في طليعة المواقف الدولية التي تشدد على سيادة لبنان واستقلاله ووحدة اراضيه.
كما ثمّن دور رئيس مجلس النواب نبيه بري في تقريب وجهات النظر وتعزيز المسار الوطني اللبناني، وقرار مجلس الوزراء بحصرية السلاح ونعتبره خطوة تأسيسية والشرعية حجر الأساس.
الدور العربي يفرض نفسه
أما على الساحة الفلسطينية، فقد نتج عن مؤتمر حل الدولتين الذي عقد في الأمم المتحدة، الإعلان عن اعتراف عدة دول بدولة فلسطين وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا، إذ ارتفع عدد الدول المعترفة بفلسطين إلى 158 من أصل 193، وذلك “نتيجة عمل ديبلوماسي متراكم بدأ مع إعلان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 1988 الدولة الفلسطينية وإطلاق مسيرة تجسيد الدولة، وهي مستمرة بالجهود الدبلوماسية والسياسية التي تقودها المملكة العربية السعودية وفرنسا”، وفق ما عبّر مصدر لـ جريدة “الأنباء” الإلكترونية.
توازيًا كل المعطيات والظروف المصاحبة، بدءاً بالتعاطف الإنساني برفض الإجرام في غزة، والضغوط الشعبية من داخل الدول، مرورًا بالتوجه العالمي والدولي بضرورة إنهاء آخر احتلال في العالم وهو الاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين، أفضت حركة الدبلوماسية السريعة التي ستقود في نهاية المطاف إلى مسألتين، بحسب المصدر.
وشرح المصدر أن المسألة الأولى تتمثل في أن تكون فلسطين عضوًا كامل المواصفات في الأمم المتحدة، بعدما كانت عضوٍا مراقبًا وتحوز على العضوية الكاملة. أما الثانية سيؤدي هذا الضغط إلى إطلاق مسار سياسي ودبلوماسي يضع إطار لوقف الحرب في غزة إضافة إلى وضع مسار سياسي لتنفيذ حل الدولتين.
وعلى الرغم من أن هذه الخطوة تشهد معارضة أميركية، وتعتبرها واشنطن مكافأة لحركة حماس، لفت المصدر الى أن هذا “المنطق عينه يعبر عنه رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والقيادة الإسرائيلية، والتي ترد بمزيد من عمليات الاستيطان في الضفة الغربية، وتهجير الفلسطينيين في غزة وقتلهم”.
إذ اعتبر المصدر أن الصراع الدائر في فلسطين يعد أحد أبرز الصراعات السياسية في العالم ومن القضايا التي لا يمكن تجاوز حلها حاليًا. وفي هذا الإطار، أشار الى أنه، وكما هو واضح، لا يمكن للسياسة الأميركية أو لرئيس وزراء العدو إنهاء الحرب بالشكل الذي هو يريده أو تجاهل الإرادة العربية والدور العربي، معتبرًا أن الدور العربي يفرض نفسه اليوم في أي إطار أو أي تصور للخروج من الحرب القائمة حالياً في غزة، وتوازيًا ليكون جزءًا من أي نظام إقليمي أو لتطوير وضعية النظام الإقليمي القادم الى المنطقة.
“انطلاقا من أن الدور العربي هو دور راعي للمسألة الفلسطينية بشكل عام من خلال قيادة المملكة العربية السعودية ومن خلال دور الوساطة التي تقوم بها قطر ومصر على هذا الصعيد، شدد المصدر على أن أي جهود تصب في إطار وقف إطلاق النار والحرب في غزة مرّحب بها، خصوصًا أن الدور العربي في موقع قيادة العملية السياسية في المنطقة عمومًا ومعوّل عليه، أولًا برفض عملية التهجير ومنع اسرائيل من تنفيذ أجندتها بالدفع نحو تهجير الفلسطينيين وهذا الدور قامت به مصر والأردن بشكل ممتاز الى حد الآن”، على حد تعبير المصدر.
وشدد المصدر على ضرورة التوصل الى حلّ للقضية الفلسطينية، وذلك ليس فقط من أجل استقرار الشرق الأوسط فحسب، بل أيضًا للاستقرار في العلاقات الدولية والاستقرار العالمي أو الاستقرار الدولي.