مقالات خاصة

العقيد حمود: “بطل شعبي” أم مشروع زعامة قيد التصنيع؟

كتب عمر بلح لقلم سياسي :

منذ أن انتشرت أنباء توقيف العقيد المتقاعد عميد حمود في طرابلس، تحوّل الحدث من خبر إداري إلى قضية رأي عام، ثم إلى مشهدية تعبّر عن شيء أعمق بكثير من إجراء قضائي عادي. فبين تضامن واسع، ومواقف دينية وسياسية، وشوارع امتلأت بصوره، بدا وكأننا أمام حالة تعبئة كاملة، تشبه – في بعض جوانبها – بدايات تشكّل زعامة شعبية من رحم المواجهة مع “الدولة”.في لبنان، حيث السياسة لا تنفصل عن المسرح، والسرديات تُكتب بذكاء على وقع وجدان الجمهور، يحقّ لنا أن نتساءل بجرأة:هل نشهد ولادة زعيم جديد للطائفة السنية في طرابلس، تُصاغ قصته من داخل الزنزانة؟أم أن ما يجري هو ببساطة لحظة غضب شعبي صادق تجاه “ظلم إداري” طال رجلاً خدم الناس؟فسيناريو “البطل المظلوم”… صناعة لبنانية بامتيازمن ميشال عون الذي عاد من المنفى بطلاً، إلى قادة أمضوا سنوات في السجن قبل أن يعتلوا المنصات، تعوّد اللبنانيون على معادلة غريبة: كل من يواجه السلطة، يصبح بطلاً… وربما زعيمًا.في هذه الحالة، العقيد حمود ليس سياسيًا تقليديًا، ولا ناطقًا باسم تيار، لكنه يملك خلطة جذابة:استقال من الجيش في 7 أيار 2008، في لحظة تحوّلت رمزًا للاعتراض السني.أسّس مركزًا طبيًا يخدم الفقراء، في مدينة تئن تحت الإهمال.يحظى بـ احترام شعبي من قاعدة اجتماعية عريضة، بعيدًا عن الاصطفافات الحزبية.ومع توقيفه، بدأت تتشكّل حوله صورة “الرجل الذي قُمِع لأنه خدم الناس”. هنا، تصبح القصة مثالية لخلق “بطل”، بل حتى “منقذ” في نظر بعض الجمهور، خاصة في طرابلس التي ما زالت تعيش فراغًا سياسيًا سنّيًا بعد أفول نجم تيار المستقبل وتراجع التأثيرات الإقليمية القديمة.السؤال الأعمق الذي يطرحه بعض المتابعين بهدوء خلف الكواليس:هل ما يحدث مع حمود هو لحظة عفوية تمامًا؟أم أن هناك من يُهندس بهدوء مشهدًا شعبيًا تمهيديًا لخلق زعامة سنية جديدة – “مستقلة” في الشكل، لكنها مدعومة في العمق؟نحن لا نتحدّث عن مؤامرة، بل عن قراءة سياسية لطبيعة الساحة اللبنانية، حيث غالبًا ما تُصنع الزعامات الجديدة عبر ثلاث مراحل:1. مظلومية موثّقة: توقيف، نفي، تضييق.2. تعاطف شعبي واسع: مشايخ، ناشطون، نواب يتضامنون.3. مواجهة هادئة مع الدولة: تخلق نوعًا من “الشرعية البديلة” أمام الجمهور.في هذا الإطار، يصبح العقيد حمود أكثر من شخص؛ يصبح احتمالاً سياسياً. احتمال قد يُوظف لاحقًا إما في الانتخابات النيابية، أو في تشكيل حالة “أخلاقية – خدماتية” تشكّل نواة زعامة سنية جديدة، خاصة إذا أُفرج عنه وتحوّلت قضيته إلى محطة انتصار رمزي.طرابلس اليوم تعاني من فقدان المرجعية السنية المركزية. الشخصيات الحالية تتوزع بين من تعب سياسياً، ومن انسحب طوعاً، ومن لم يستطع ملء الفراغ.في هذا الفراغ، تنمو البدائل. لكنها لا تنمو صدفة.قد تكون الحالة “الحمودية” واحدة منها.سواء أكان الأمر مخططًا له، أو مجرّد مسار شعبي صادق لا يُراد له ما هو أبعد من التضامن، تبقى القصة تستحق التوقف عندها، لأنها تقول شيئًا عن طرابلس اليوم:عن حاجتها إلى وجه جديد.عن توقها لقيادة غير فاسدة.عن هشاشة المشهد السياسي فيها، وقابليته للتفاعل العاطفي مع كل من يقترب من لغة الناس وهمومهم. في النهاية…نكتب هذا النص لا لنشكّك، بل لنسأل:هل ما يجري مع العقيد حمود هو لحظة ظلم لرجل يستحق الإنصاف؟أم أنه أيضًا – وربما بوعي أو دون وعي – بداية سردية زعيم جديد يُصنع؟يبقى الجواب رهن القادم من الأيام…ورهن طريقة خروجه من التوقيف: هل يخرج طبيباً شعبياً؟ أم زعيماً على باب المرحلة؟


iPublish Development - Top Development Company in Lebanon

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى