عداء بـ”الماكياج”.. وغرام تحت الطاولة!

كتب عمر بلح لموقع قلم سياسي
في هذا العالم المنكوب، حيث تُباع القضايا في المزاد وتُصنّع الكراهية في المختبرات، تُقدَّم قصة “إيران وإسرائيل” كملحمة أبدية بين عدوّين لدودين. تهديدات، صواريخ، مظاهرات، أعلام تُحرق، وأناشيد تصرخ بـ”الموت”… لكن خلف الستار، شيء ما لا يشبه الحرب. هناك رائحة تنسيق، لمسة تفاهم، وربما غرام سياسي لا يراه إلا الأذكياء الذين سئموا تصديق الكذبة.
العلاقة لم تبدأ بالعداء. كانت إيران الشاه تزود إسرائيل بالنفط وتشتري منها السلاح. ثم جاء الخميني بقاموس جديد: “الكيان الغاصب”، “القدس قضيتنا”، و”إسرائيل إلى زوال”. لكنها شعارات بقيت في الخطب والمسيرات، بينما الوقائع تقول إن الصراع كان غالبًا عبر “الوكلاء” لا عبر الجيوش. وكأن العداء ليس أكثر من بطاقة هوية سياسية، تُستخدم عند الحاجة، وتُسحب عند الاقتضاء.
التصعيد الأخير لم يغيّر القاعدة، بل عمّق الشكوك. الضربات “مضبوطة”، الردود “مدروسة”، والنبرة ترتفع لكن بدون كسر الطاولة. وحتى دخول واشنطن بدا وكأنه تعزيز للإخراج، لا تهديد حقيقي. فكل شيء في هذا النزاع يحمل طابع المسرحة: من توقيت الصواريخ إلى توقيع البيانات. صراع يشبه مباريات المصارعة الحرة، حيث يتظاهر الخصمان بالضرب، بينما يتقاسمان الأرباح خلف الكواليس.
السؤال الذي لا يريد أحد طرحه بصوت عالٍ: ماذا لو كان هذا “العداء” جزءًا من اتفاق غير مكتوب؟ إيران تحكم الداخل بخطاب المقاومة، وتُخيف خصومها الإقليميين، وإسرائيل تبرّر كل عدوانها تحت عنوان “الخطر الإيراني”، والولايات المتحدة تمسك بالخيوط، وتبتسم للكل، وتقبض من الجميع.
ثم تأتي النفاقات العظيمة: إيران تصرخ ضد التطبيع، بينما تصافح في الخفاء. تشتم الاتفاقيات، وربما تعدّ لواحدة. تعاتب العرب على السلام، بينما تسعى إليه بطريقتها الخاصة. وكلما ضاقت العقوبات، ازداد العداء حماسة، وكأن القضية الفلسطينية ليست أكثر من شيفرة سياسية لطلب صفقة أفضل.
ورغم كل هذا، يصرّ بعض الناس على تصديق المشهد كما هو: إيران تقاتل، وإسرائيل تصدّ، والحقّ والباطل واضحان كالشمس! لكن الحقيقة أن السياسة ليست دينية، ولا مقدّسة. إنها عمل قذر، وتكتيك طويل النفس. لا أصدقاء دائمين، ولا أعداء أبديين، بل فقط مصالح تُغيَّر كلما تغيّرت الرياح.
فهل نرى قريبًا سلامًا مفاجئًا؟ ممكن. هل يمكن أن نُفاجأ باتفاق سري يُعلَن في لحظة درامية؟ طبعًا. التاريخ ملآن بمسرحيات مشابهة، والنهاية دائمًا واحدة: الجمهور يصفّق، ثم يكتشف أن المسرح احترق، وأنه كان هو الوحيد خارج الصفقة.
الخلاصة؟ لا تصدق كل ما يُعرض على الشاشات. فهناك دائمًا قصة أخرى، تُكتب في غرف مغلقة، وتُباع بثمنٍ لا تدفعه الحكومات… بل الشعوب