مقالات خاصة

بلدية المنية بين مشروع إنماء حقيقي وشبح المحاصصة

كتب جواد مختار لموقع قلم سياسي،

مع اقتراب استحقاق الانتخابات البلدية في مدينة المنية – شمال لبنان، تستعد المدينة لاختيار مصيرها في مرحلة دقيقة من تاريخها، حيث لم يعد الأمر مجرد منافسة انتخابية، بل مفترق طرق حقيقي بين نهجين:
نهج العمل والإنماء، ونهج المحاصصة والتعطيل.

إنجازات ملموسة… لا شعارات

منذ انتخابه نائباً، استطاع أحمد الخير أن يحوّل الموقع النيابي من منصة للوعود إلى رافعة فعلية للإنماء.
في غضون ثلاث سنوات، راكم الرجل حصيلة نوعية على مختلف الصعد، حتى باتت مجالس المدينة – سواء مناصِرة أو معترضة – تقر بأن منجزاته تكاد تفوق مجمل ما تحقق في الحقبة السابقة التي اتسمت بالجمود والركود.

على الصعيد القضائي: إزالة الغبن المزمن

كان ملف بلاغات البحث والتحري التي طالت المئات من أبناء المنية، من رجال ونساء وقاصرين، أحد أثقل الملفات التي كبّلت المدينة لسنوات طويلة.
بمبادرة مباشرة، وبجهد دؤوب بالتعاون مع فريق محامين، أُسقطت هذه البلاغات بشكل نهائي، ما أعاد الطمأنينة إلى الشارع المنياوي، وحرّر الأهالي من إرث قضائي ثقيل طالما عرقل حياتهم اليومية.

على الصعيد الإنمائي: خطوات نوعية في عمق المدينة

شهدت المنية تحوّلاً عمرانياً وخدمياً غير مسبوق:
• إنشاء كورنيش بحري بمعايير حديثة، أعاد للمدينة حضورها على البحر، وفتح باباً للسياحة والاستثمار.
• تنفيذ مرفأ للصيادين بمواصفات مهنية، يحاكي الحاجات الفعلية لأبناء المهنة.
• تزفيت الأوتوستراد الدولي وتوسعة شبكات الطرق الداخلية، ما سهّل التنقل وربط المدينة بمحيطها ببنية تحتية لائقة.

على الصعيد الطبي: من المطلب إلى الواقع

استُحصل على تمويل بقيمة تقارب مليون دولار أميركي لإنشاء مركز لغسل الكلى في مستشفى المنية الحكومي، وهو المشروع الأول من نوعه في المدينة، في وقت ترافقت هذه المبادرة مع دعم طبي من خلال وزارة الصحة فاقت قيمته آلاف الدولارات، مما عزّز البنية الصحية العامة في المنطقة.

على صعيد التوظيف: فرص حقيقية بدلاً من الوعود

تاريخياً، كانت فرص التوظيف في المؤسسات العسكرية والأمنية محدودة لأبناء المنية. أما اليوم، فقد شهدت المدينة فورة واضحة في التوظيف ضمن هذه الأسلاك، عكست ثمار العلاقة الجدية مع مؤسسات الدولة، ورسخت مبدأ الشراكة الفعلية في بنية الوطن.

تجربة مقارنة… وصمت لا يُنسى

في مقابل هذا المشهد، يتذكّر أبناء المنية جيداً الحقبة السابقة، التي غابت فيها المبادرات، وتكرست خلالها الذهنية الفردية والمصالح الضيقة.
فلا مشاريع وُضعت، ولا خطة نُفذت، بل اكتفى المعنيون حينها بإدارة الأزمات بمنطق النفوذ، دون أي رؤية تنموية.

واليوم، حين برز من حمل راية الإنماء بيد، ودافع عن كرامة المدينة باليد الأخرى، تسارعت بعض الأصوات – في السرّ والعلن – لمحاولة إسقاطه، لا لخلل في أدائه، بل لأنه نجح حيث فشلوا، وفضح بإنجازه مواطن تقاعسهم.

ويُروى في التاريخ البعيد، أن قبيلة هاجمت قرية كان رجالها في الغياب، فوقع السبي على النساء جميعاً، باستثناء امرأة واحدة واجهت المعتدي وقتلت أحدهم، ثم خرجت مرفوعة الرأس تمسك برأس من حاول انتهاكها. لكنها لم تُكافأ، بل قُتلت على يد النساء أنفسهن، خوفاً من أن تتغنى بشرفها أمام الرجال عند عودتهم.
وهكذا هو حال المنية اليوم: بدل أن يُرفع من أنجز، يُستهدف، لا لأنه أخطأ، بل لأنه كشف تقصير من كان قبله، وأحيا في المدينة روحاً إنمائية كادت تُنسى.

خطر داهم: شبح المحاصصة يعود!

رغم هذا المسار المضيء، يتصاعد في الخلفية صوت مألوف، يُعيد التلويح بمعادلة المحاصصة التي جرّبتها المنية ودفع ثمنها أهلها من أعمارهم وفرصهم ومستقبل أبنائهم.

المطروح اليوم – في بعض الأروقة – توزيع المواقع الثلاثة الأهم في الإدارة المحلية:
• رئاسة بلدية المنية
• رئاسة اتحاد بلديات المنية
• نائب رئيس البلدية

ليس على أساس الكفاءة أو المشروع، بل بمنطق “إرضاء العائلات” وشراء الولاءات، في نموذج يعرف الجميع نتائجه:
تضارب في القرار، تجاذب في التنفيذ، وشلل في الإنماء.

ولأن التجربة خير برهان، فإن العودة إلى هذا النموذج تعني ببساطة تعطيل المسار الحالي، والارتداد عن كل ما تحقق.

وحدة القرار: ضمانة الإنماء

أمام هذا الواقع، بات واضحاً أن مصلحة المنية تقتضي اليوم وحدة القرار البلدي والاتحادي.
فمن غير المقبول – في ظل مشاريع كبرى تنتظر المدينة – أن تُجزأ السلطة التنفيذية بين أطراف متنافرة، أو أن يُدار الاتحاد من شخص لا يحمل الرؤية نفسها لرئيس البلدية.

في بلديات كثيرة عبر لبنان، أظهر هذا التضارب نتائجه الكارثية: تعطيل للموازنات، انقسام في المقاربات، وإهدار للفرص.

فرصة لا تتكرر

المنية أمام لحظة فارقة.
بين يديها خياران لا ثالث لهما:
• إما استكمال مسار العمل الجاد، والمراكمة على ما تحقق، ضمن نهج واضح يتقدم المدينة على أسس ثابتة،
• وإما العودة إلى مربّع التنازع والمساومات، حيث تضيع المشاريع وتُقايض المصلحة العامة بالمكاسب الآنية.

لقد آن أوان بلدية تُبنى على مشروع، لا على حصص،
وعلى قيادة موحدة، لا على زعامات متفرقة.
وإذا كانت هذه الانتخابات مدخلاً لذلك، فلتكن البداية من هنا.


iPublish Development - Top Development Company in Lebanon

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى